يتطرق ابن خلدون الى رأي ابن العربي في خروج الحسين فيقول:

“وقد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمّاه بالعواصم والقواصم ما معناه أن الحسين قتل بشرع جده وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته في قتال أهل الآراء؟!”.

هناك رواية يرويها ابن حجر العسقلاني تشير الى أن ابن خلدون كان في أول امره عندما كتب النسخة الاولى من مقدمته يؤيد ابن العربي في قوله بأن الحسين قتل بسيف جده.

يقول ابن حجر: إن شيخه الحافظ أبا الحسين بن أبي بكر كان يبالغ في الغضب من ابن خلدون من أجل قوله ذاك وكان يلعنه ويبكي.

إن صحت هذه الرواية فأن رأي ابن خلدون في ثورة الحسين يشبه رأيه في جميع الثورات الفاشلة، ولكنه تراجع عن هذا الرأي بعدئذ خوفآ من الناس، فمحاه من مقدمته ووضع مكانه الرأي اعلاه.

يبدو أن ابن خلدون عندما أراد أن يكتب عن ثورة الحسين تملكته الحيرة وتوقف عن الكتابة. فهو لا يدري أيكتب الرأي الذي يؤمن به في قرارة نفسه، ام يكتب الرأي الذي يريده الناس منه.

وقد خصص لهذه الحادثة صفحات تركها بيضاء في كتابه ثم مرت الايام فنسي أمر تلك الصفحات وبقيت على حالها الى يومنا هذا.

يصنف ابن خلدون الثورات الى صنفين: ناجحة وفاشلة.

فهو لا يخفي تمجيده للثورة الناجحة، أما الثورة الفاشلة فهي في نظره مذمومة جدآ وهو يشجبها شجبآ مقذعآ بعض النظر عما يمكن أن يكون فيها من مباديء او مثل عليا.

يصف ابن خلدون الثوار الفاشلين بأنهم حمقى او مشعوذين ويرى أنهم يجب أن يعاقبوا عقابآ شديدآ او يعالجوا.

كان الفقاء في عهودهم المتأخرة يؤمنون بوجوب طاعة السلطان وبتحريم الخروج عليه، وخلاصة رأيهم في هذا الصدد: أن الحكومة الجائرة خير من الفوضى.

أن ابن خلدون يمجد الثورة الناجحة بغض النظر عما ينتج عنها من فوضى وسفك دماء، فهي في نظره ثورة قامت على أساس العصبية ولابد أن يكون مصيرها النجاح ولو أراد صاحب العصبية أن يتقاعس عن ثورته لقام غيره بها ممن توافر لهم العصبية مثله.

يوجب ابن خلدون على صاحب العصبية أن يخرج على الحكومة ولو كانت شرعية صالحة، إذ أن تقاعسه عن الخروج قد يؤدي الى تنازع وفوضى أكثر مما يؤدي اليه خروجه.

ويشجب من الجانب الاخر كل ثورة فاشلة ويعلل فشلها بكون القائمين عليها لم يراعوا شرط توافر العصبية فيها فالثائر الذي يخرج على حكومة زمانه اعتمادآ على المبدأ الصالح الذي يدعو له، من غير عصبية كافية تسنده، إنما يجري خلاف التيار الذي يسير عليه المجتمع ولابد أن يكون مصيره الفشل واللعنة.

إن النزعة الواقعية المفرطة لدى ابن خلدون جعلته يغفل عن ناحية مهمة من تاريخ الثورات، فالثورات لاتخضع للحساب الدقيق كما يريد ابن خلدون منها أن تكون، إنها صفقة تجارية لايقوم بها التاجر الا بعد أن يحسب حسابه. كثيرآ ما يكون الثائر مؤمنآ بالمبدأ الذي يثور من أجله وهو يندفع به فلا يبالي أوقع الموت منه أم وقع عليه. ورب ثائر يثور دون أن يكون لديه ما يؤهله للنجاح، ثم يأتيه النجاح من حيث لايحتسب.

ينسى ابن خلدون كيف بدأ النبي بدعوته وهو ذو عصبية ضعيفة جدآ تجاه عصبية خصومه الاشداء.

ولو اتبع الثوار هذا المبدأ الخلدوني منذ قديم الزمان لما ظهر في الدنيا أنبياء ولا زعماء ولا مصلحون، ولصار الناس كالاغنام يخضعون لكل من يسيطر عليهم بالقوة، حيث يمسي المجتمع بهم جامدآ يسير على وتيرة واحد جيلآ بعد جيل.

ومن ناحية أخرى غفل ابن خلدون عن تاريخ الثورات، فالثورة قد ينتهي أمرها الى الفشل ولكنها تكون ذات أثر أجتماعي نافع، فهي تحرك الرأي العام وتفتح الاذهان الى أمر ربما كانوا غافلين عنه وكثيرآ ما تكون الثورات الفاشلة تمهيدآ للثورة الناجحة التي تأتي بعدها.

ويمكن القول أن الثورة الناجحة لا تحدث الا بعد سلسلة من الثورات الفاشلة، حيث تكون كل واحدة منها بمثابة خطوة لتمهيد الطريق نحو إنجاح الثورة الاخيرة

سلسلة منطق ابن خلدون

المصدر: كتاب منطق ابن خلدون – د. علي الوردي