سمارا نوري

السفر الى الاندلس لايشبه بقية الاسفار.

أنه رجوع حي الى ماض يرجع تاريخه الى 1400 سنة، ليس بالصور والقصص والذكريات وانما بواقع ملموس وحاضر لازال ينبض بقلوب مؤمنة أستطاعت أن تخلق حضارة راقية أعجازها بأنها لاتموت حتى وأن مات الايمان وأندثرت الحضارة.

في 22 من شهر أيلول عام 2014 حضرت مؤتمر عن وجهة السياحة الحلال والذي يهدف الى توظيف وتوحيد الجهود لخلق سياحة تلائم المسلمين بالتحديد في جميع أنحاء العالم.

سياحة لايضطر فيها المسلم التنازل والتخلي عن قيمه ومبادئه وفروضه التي يلتزم ويعتز بها.

سياحة تلبي كل أحتياجاته والتي تشبه اي سياحة عامة ولكن بشرط أن تكون في أطار ما شرعه الله في محكم كتابه من التجول والسياحة في أرجاء الارض للتأمل والاستجمام والتعرف على الشعوب وطلب العلم.

بالتأكيد كانت الاندلس المكان الامثل لهذا المؤتمر بأعتباره أرث ضخم وسياحة عالمية لم يكن لها مثيل او منافس.

لقد كان المؤتمر تنقيبآ أثريآ في ماض عريق لبناء وتشييد أسس حضارة جديدة آن لها أن تقوم وتبدأ.

غرناطة كان المحطة الاولى حيث أنعقد المؤتمر ليومين كانت فيها الاجندة كثيفة ومثيرة للاهتمام وملهمة.

جاء الحضور من جميع أنحاء العالم من أصحاب القرار والتخصصات المختلفة في قطاع السياحة.

عندما تكون في غرناطة فأن قصر الحمراء هو قلبها الذي لازل ينبض بالجمال والكبرياء وهو يمثل اليوم قمة ماوصل اليه الفن المعماري الاسلامي ويدر الملايين على الخزينة الاسبانية سنويآ.

نقشت على جدرانه كتابات وزخارف عربية واسلامية متنوعة أن دلت على شيء فأنها تفصح بقوة عن حب قوم لدين أعزهم وأعتزوا به.

أبرزها عبارة “لاغالب الا الله” وقصيدة الشاعر أبن زمرك ومطلعها:

تبارك من ولاك أمر عباده فأولى بك الاسلام فضلا

وقصيدة اخرى تقول: تحييك مني حين تصبح او تمسي ثغور المنى واليمن والسعد والانس

الى هناك كانت سياحتنا الاولى.

غرناطة ترجمة حرفية للتاريخ والحضارة.

غرناطة لامثيل لها في العالم كما يقال عنها وهي عند العرب قمة المجد وقمة الانهيار المطلق حيث دامت ثمان قرون 711- 1492 م.

والحقيقة أن الاندلس بدأت تسقط قرنين ونصف قبل ذلك حيث سقطت طليطلة أول المدن الكبرى ثم توالت المدى الاسلامية بالسقوط كحبات الرمان الواحدة بعد الاخرى، فسقطت قرطبة ثم أشبيلية ثم مرسيا ثم مالقا وأخيرآ غرناطة.

معلوم أن أسم غرناطة بالاسبانية يعني “الرمانة” وهي ما تشتهر به المدينة بشكل ملفت للنظر ولكن أصل التسمية يرجع الى كون أن حبات الرمان متراصة ومتكاملة كما كانت المدن الاسلامية في الاندلس، أقسم فرناندو أن يقتطفها كلها مرة واحدة ولكنه فشل لسنوات طويلة ولم يستطع أن يستولي عليها الا حبة بعد الاخرى.

وما أشبه اليوم بالبارحة.

طوائف وتطاحن وأنقسام وأستعانه بالعدو وأنحلال خلقي.

في حي البيازين وهو الحي العربي القديم الذي يقع في وسط المدينة حيث الشوارع ضيقة والمباني تحمل الطابع العربي الاندلسي، في هذا الحي تم أخيرآ بناء مسجد الجامع غرناطة قبل 13 عامآ فقط بعد معاناة طويلة ورفض مستمر من الدولة الاسبانية، في منطقة موبوءة كانت مرتئآ للمومسات وأصحاب المخدرات فتحولت بعد بناء الجامع الى مكانآ آمنآ وتحفة خرافية بسبب موقعه الذي يطل على أجمل منظر لقصر الحمراء في الجهة المقابلة من المسجد.

توجهنا الى قرطبة بعد أنتهاء المؤتمر، بالطبع كان لجامع مسكيتا ومدينة الزهراء الجزء الاكبر من زيارتنا.

تم تحويل الجامع الى كاتدرائية وقاموا بتحويره حيث توزعت غرف صغيرة للعبادة على محيط المسجد الذي كان مفتوحآ الى البارحة الخارجية حيث الحدائق الخضراء وأشجار البرتقال والليمون وفي تلك البارحة أراد عبد الرحمن الداخل ان يكون للنخلة مكانآ في تلك الروضة فأنشد قصيدته المشهورة.

بدَّتْ لنا وسط الرُّصافةِ نخلةٌ تناءتْ بأرض الغربِ عن بلدِ النخلِ
فقلت شبيهي في التغرب والنوى وطول التنائي عن بنيَّ وعن أهلي
نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

في قلب المسجد تم بناء الكنيسة التي تقام فيها شعائر الصلاة في الوقت الحاضر.

في ذلك المكان كانت الرموز والتماثيل والاعمدة والمساحات والالوان توحي بالكثير من الكلام الصامت ولكل زائر طريقته في ترجمتها وفهمها ان أحسن الانصات.

في الجزء الاسلامي حيث لايزال الفضاء مفتوحآ وشاسعآ تتخلله أعمدة شيدت بنظام دقيق وقوسين يربط كل عمودين الاول لمسكها والثاني لاضافة جمالا ساحرآ يبهر القلب قبل العين.

في المركز عند الصف الاول وبأنحراف بسيط عن أتجاه القبلة كان المحراب حيث زين بالايات القرآنية والزخارف الاندلسية بشكل يعجز العقل وأستشعار ذلك الابداع والايمان الذي بلغ ذروته في كل معلم صممه الاندلوسيين، وعلى الرغم من تلك اللوحة الخارفة والجمال الاخآذ الا أن المكان بفضائه واعمدته والوانه تثير في النفس أنطباعآ بالهدوء والسلام تهيئآ لاعظم لقاء مع الله عز وجل.

في حين كانت التماثيل والرموز واللوحات والثريات العملاقة في قلب الكاتدارائية تثير الشعور بالسيطرة والثروة والخوف.

فعندما يملأ الخوف أفئدة الناس يتم السيطرة عليهم وتلفيق الاساطير وتحوير الحقائق وفرض الانظمة وجني الثروات.

مدينة الزهراء كانت محطتنا في اليوم التالي، في الطريق الى هناك حيث الجبال تحتضن الطريق من جميع الجهات وكانت هناك قلعة قديمة تعترش أحدى القمم، تلك القلعة كانت قصرآ لفيرناندو وأيزيبلا وهما ينتظران فيها دخول غرناطة والانتقال الى قصر الحمراء.

كانت مدينة الزهراء مدينة أسلامية كبرى في القرن العاشر بأعتبارها مركز الخلافة الحقيقي للعالم آنذاك.

بنيت في لحظة متميزة في التاريخ عندما كانت معظم الطاقات الفكرية في أوربا متجذرة في الاسلام وحينما كان قلب الاسلام متجذرآ في أوربا.

ثم تعرضت للنهب على يد المسلمين الاصوليين القادمين من شمال أفريقيا والذين أعتبروا الثقافة المسلمة التي تمثلها المدينة شديدة التحرر في تفسيرها للاسلام مما أدى الى حذف المدينة من خارطة العالم واندثارها تحت الارض لاكثر من الف سنة.

والان بعد مرور أكثر من مائة عام على أكتشافها بدأت عمليات التنقيب والحفر للكشف عن أعظم مدينة وترميمها.

لايفوتكم زيارة هذا الموقع الاثري والمتحف المرافق له ومشاهدة الفلم في المسرح والذي يعرض المدينة وقصتها بشكل مبتكر ومؤثر.

وجهتنا الثالثة كانت ملقا في اليوم الرابع وعلي أن اعترف بأني استمتعت بمتحف بيكاسو أكثر من اي موقع آخر في المدينة.

هناك قصة قديمة تذكر أن الاندلسيين سألوا الله خمس نعّم، حقق لهم منها أربعة وترك الخامسة لانها كانت ستنافس جنة السماء التي تركها الله سبحانه وتعالى للاخرة.

مناخآ رائعآ
أرض خصبة وخضراء
محيطات مليئة بالاسماك
نساء جميلات
حاكمآ عادلآ

أفترقنا في صباح اليوم التالي كل الى وجهته التي جاء منها بقلوب عامرة بعبق الماضي وشوق اللقاء وحلم كبير كتمته في صدري طوال الرحلة، بأن ترفع راية لا اله الا الله في غرناطة وقرطبة واشبيلية وكل رقعة مرّ بها أجدادي، وترجع الحضارة الاسلامية مركزآ لعلماء الفلك والرياضيات والفيزياء والطب والموسيقى والفن والشعر.