كان قلبي يخفق بشدة قبل الهبوط الى مطار تلك المدينة ذات الجمال الساحر والطبيعة الخلابة حيث تجمع تضاريسها بتناغم بين الجغرافية والتاريخ وحداثة الحاضر والخدمات المتنوعة.

أنطاليا كانت وجهتي مع أني تحاشيت الذهاب الى تركيا تحديدآ بعد رحيل والدتي التركية الاصل، كنت اتجنب الاستماع لاي كلمة او حديث او أغنية تركية. أذكر أني كنت مرة في مكان عام يعرض مسلسل تركي فلم أحتمل وطلبت من المسؤول تغييره وكنت دومآ أهرب من كل مايمت بأي صلة لما هو تركي بعدها.

أنطاليا مدينة سياحية بأمتياز تقع على شريط ضيق بين جبال طوروس المشهورة وشواطيء البحر الابيض المتوسط ذات اللون الازرق التركواز، أضف الى ذلك سماءها المشمسة وجوها الدافيء معظم أيام السنة.

وهي ذات جذور تاريخية عميقة ترجع الى الدولة البيزنطينية والعثمانية ثم العلمانية بعد مجيء مصطفى كمال أتتاتورك الذي كان ومايزال رمزآ تاريخيآ يفتخر به الاتراك ولازالت صوره تزين واجهات المحلات والمطاعم والمكاتب.

أمتلأت الشوارع والمطاعم وشواطيء البحر على امتدادها بالسياح والزوار من كل أنحاء العالم ولكني لم أكن أرى الا شيئآ واحدآ في كل شيء يقع ناظري عليه.

أمي.

تتلألأ الدموع في عيني كما تتلألأ اشعة الشمس وتتراقص على سطح البحر.

التناقض سمة مميزة وبارزة في المجمتع التركي جزء كبير يتبع الثقافة الغربية بكل مظاهرها ومحتواها الفكري والاجتماعي والجزء الاخر تظهر عليه ملامح الثقافة الاسلامية والعادات الشرقية حيث الحجاب المتكامل في الاناقة بعيدآ عن أي أصطناع او تبرج.

أستكان الشاي الذي يكاد يكون شعارآ وطنيآ في الدولة التركية حيث يتم تقديمه ضيافة في كل الامكان والفنادق والمطاعم الشعبية والراقية وحتى الفرنجايز مثل ماكدونلدز وبركر كنك وغيرها ولكن بنكهة خاصة لاتستطيع مقاومتها بعد أي وجبة وبالاستكان تحديدآ مع قطعة سكر.

وفي المقابل هناك كأس العرق الابيض الذي تكاد لاتخلو منه طاولات المطاعم بكل تدرجاتها وأنواعها كثقافة تركية لم تستطع الديانة الاسلامية بالرغم من تحريمها للكحول أزالتها من الموائد والعادات الاجتماعية.

كذلك شواطئها التي تعتبر من اشهر شواطيء العالم واكثرها زراقآ حيث شاطيء لارا برمالها البيضاء والذي تقع عليه أفخم الفنادق والمنتجعات ذات الشهرة العالمية، وشاطيء كوني-آلتي المليء بالمقاهي والمطاعم الشعبية والمأكولات البحرية وهي مفتوحة للجميع بدون رسوم وهناك ايضآ تتجلى ظاهرة التناقض بين العوائل المحافظة والاحتشام وملابس السباحة الاكثر عريآ .

هناك شاطىء خاص بالنساء فقط يوميآ وعلى مدار السنة وبدون اي رسوم يسمى بلاج ساريسو، وهو شيء نادر ما تجده في أي دولة اخرى بالاخص على هذه الدرجة من النظافة والرقي والملحقات والخدمات المتميزة، اما مياه البحر فهي دافئة نسبيآ وعلى مدار السنة حيث شتاءها معتدل وصيفها حار.

تعتبر المدينة القديمة في مركز أنطاليا من أجمل معالمها التاريخية ، بنيت على يد الامبراطورية البيزنطية وتسمى كاليشي وتشتهر بأسوارها العالية ومنارتها التي تقف شاهدآ على تاريخ انطاليا، وتنساب الشوارع المنحدرة والازقة الضيقة المليئة بالمقاهي والمطاعم والمتاجر وتمتليء الطرقات بالفنانين وبائعي التحف التقليدية ومحلات الايس كريم التركية والشاورما وتنتهي الى ميناء قديم حيث يمكن التجول في رحلة بحرية والاستمتاع بمشاهدة المدينة وجبال طوروس والشلالات، وحول المدينة تتفرع العديد من الطرقات والبازارات التي تعرض جميع المنتجات المحلية والشعبية وبأسعار منخفضة.

ولايمكن الاستغناء عن الحمام التركي والذي يعد تجربة سياحية لايمكن نسيانها حيث تعود بك الى عصر السلاطين في تصميمها المعماري المزين بالقبب العالية تتخللها فتحات التهوية، وأحواض الماء ذات الطابع القديم، والطوس النحاسية ورائحة الصابون المشبعة بزيت الزيتون، ثم الاستمتاع بالمساج وشاي الزنجبيل والعديد من الخدمات الاخرى.

يبلغ عدد سكانها حوالي المليونين نسمة ليصل الى 11 مليون في موسم الصيف لكونها عاصمة السياحة في تركيا ويزورها السياح من كافة أنحاء العالم.

كما أنها سعت في السنوات الاخيرة على استقطاب المزيد من السياح من خلال سوق ذات نمط جديد يطلق عليه السياحة الحلال الذي يتوافق مع التقاليد الشرقية والشريعة الاسلامية نظرآ لتعطش الكثير من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا والجاليات الاسلامية الضخمة في الغرب الى هذا النوع من السياحة الذي يتيح لجميع أفراد الاسرة الكثير من المتعة والترفيه.

رحلة تشبه القهوة التركية بأناقتها ومرارتها ولذتها المسكرة.