سمارا نوري

كش ملك أحد كتب سلسلة ضوء في المجرة للكاتب أحمد العمري، تكلم فيه عن مناورات الشيطان لكسب الجولة في لعبة الحياة، أهم تلك المناورات التي يقع فيها الكثير بوعي وبدون وعي هي مرض سماه الغرب.

اليكم بعض المقتطفات التي أخترتها، وقد وصفها بأسلوب رائع كعادته وبحميمية بالغة كعادته أيضآ.

الوباء مستشري

مرض فتاك يقتحمنا، يواجهنا ويدخل بيوتنا ورؤوسنا وينام في أسرتنا، يأكل معنا الطعام ويشرب معنا الشراب ويسكن أحلامنا وكوابيسنا ويحتل صحونا ويجعلنا نحلم به في يقظتنا.

أسوء الظروف هي مكانه المثالي للتناسل، لايخلو منه بيت ولاعائلة ولافرد.

يحاصرنا عن اليمن وعن الشمال ومن الامام والخلف.

لااحد يراجع الاطباء للشفاء منه.

مرض قاتل وفتنته عظيمة ..

مرض
أسمه
حب الغرب

الانبهار المرضي المذل
الافتتان السلبي المقيت
التقليد الهزلي

ملكنا محاصرآ وجنودنا أسرى وقلاعنا مهانة وخيولنا تستعمل لنقل مؤونة العدو.

نحن أفراد القبيلة البدائية في مجاهل غابات جاهليتنا وهم الكشافة الاوربيون البيض عندهم سارة وكاميرا ومسدس سريع الطلقات.

ونحن نسجد لهم
نطوف حولهم
ونسبح بحمدهم

تتجه السجادة عندما نصلي نحو القبلة نحو الكعبة في مكة.

هل تتجه الحياة نحوها هناك بين الجبال في الصحراء القاحلة؟

هل تتجه العقول ويتجه السلوك ويتجه الضمير والوجدان نحو القبلة في مكة؟

هل قبلتنا هي القبلة؟ أم أنها مجرد وضع جغرافي للسجادة؟

ثم نقف كل يوم أمامه نطلب أن يهدينا الصراط المستقيم.
صراطه هو
لا الضالين ولا المغضوب عليهم.

والله نكذب
والله نكذب
والله نكذب

واقع حالنا يمشي نحو صراط آخر
هو صراط المغضوب عليهم أم صراط الضالين؟

أي شيء

لكنه بالتأكيد ليس صراط الذين أنعمت عليهم بالتأكيد.
أنه صراط الحضارة والرقي والتمدن
صراط الغرب الذي صنع كل شيء وأحسن كل شيء صنعه.

أنتهى كلامه.

وكلامه فيه من الحق الكثير، أنقياد العالم وهوسه بالغرب أصبح شيء مثير للقلق والاستفزاز والاشمئزاز.

ثم دخلت عالم غازي القصيبي في مقاله الغزو الثقافي، وجدته أقل عاطفة وأكثر توازنا في تحليل معضلة الغرب.

عرض القصيبي الاسباب بتفصيل دقيق ومنطق علمي ثم قدم الحلول وكانت أكثر دقة وأقناعآ من تشخيص العلة.

سوف أحتاج لصفحات طويلة أن أردت نقل بعض المقتطفات، وأشجع محبي غازي القصيبي والباحثين في هذا الموضوع والمهتمين برؤية وتحليل شامل بالرجوع الى الكتاب الذي يحمل عنوان الغزو الثقافي أحد مقالات الكتاب.

جلست أحلل ماقرأت وسمعت وتشربت وعايشت، فلم أجد مخرجآ من دوامة الغرب.

لم نخلق من بطون أمهاتنا ونحن نعرف الغرب، ولم نرضع حب الغرب ايآ كانت الام جاهلة ام عالمة، ولم تكن فطرتنا التي جئنا بها الى هذه الحياة هي عبادة الغرب.

ولدنا في الشرق
ملامحنا شرقية
السنتنا عربية
عاداتنا محلية

نعشق أرض الوطن وسمائه وأرصفته وفصوله بلا وجل ولا شكوك ولا تساؤولات.

لكننا كبرنا
وكبرت الافكار والاسئلة في رؤوسنا
وأصطدمنا بواقع أجتاز حدود الوطن

يقول القصيبي: التخلف هو الذي يجعل حضارة ما مبهورة بحضارة أخرى حريصة على تقليدها والاقتداء بها.

أذن فأنبهارنا طبيعي وليس مرضي
لم نعي أختلافنا ومرضنا عندما ولدنا

لكنه أصبح حقيقة ساطعة لايمكن لاعلام او نشيد وطني او شعارات حماسية حفظناها في كتب الوطنية والتاريخ أن تداري على تخلفنا او تخفي تراجعنا.

أعتقد إننا لايجب أن نلوم أحد على الوقوع بمرض الغرب، وبدلآ من ثقافة الجلد والانتقاد اللاذع فأننا يجب الاعتراف بهذه الحضارة والاستفادة من نجاحها وأحتضان كل ما يدعم الخير والانسانية ونقل كل ما يمكن تطبيقه الى بلادنا سواء كان فكرآ او علمآ او أسلوب حياة او تشريع يحفظ حقوق الانسان ويرتقي بالبلاد الى صفوف التنمية والابداع.

ليس أتباعآ ولا تقليدآ أنما طريقآ ووسيلة الى أحياء ما دفناه نحن وليس الغرب.

وأروع مثال على ذلك مايقوم به حمزة يوسف و زيد شاكر وكوكبة رائعة من الشباب معهم في بناء مجتمع إسلامي رائد في عقر أمريكا أعظم دولة في بلاد الغرب.

ألم ينبهر الغرب في فترة ظلامه ببلاد الاندلس وهرع مهاجرآ الى تلك البلاد يدرس ويتعلم بلا حساسية ولا حرج!.

فكانت نتيجة هذا الانبهار هو الخروج من ظلام القرون الوسطى الى الغرب الذي بلغ أوج أنتعاشه في عصر النهضة والتنوير، ثم بدأت تلك الحضارة بالافول مع بدء أنهيار منظومة الاسرة والانحلال الاخلاقي ونكران الاخرة.

اليست فطرة أنسانية أن ينجذب الانسان نحو الجمال والقوة والاحسان؟

لكل نجاح نموذج مثالي يقتدي به كل شخص في كل ميدان، ويفرض نفسه بلا توجه ولا سؤال.

كم مفكر ومخلص وعالم وضع يده على العلة مثلما فعل القصيبي.

ما الذي حصل؟
لاشيء

كتب مغبرة وبعض العناوين الانيقة لشعوب لم تعد تهتم نهائيآ بأي قراءة لانها فقدت الثقة والايمان بسلاح العلم والكتاب، تشك بكل شيء الا حضارة الغرب.

لانها لاتحتاج الى خيال او برامج كومبيوتر او كتب لتتصورها.

أنها في كل مكان.

بالضبط كما وصفها العمري وأكثر.

ماذا نفعل؟

ماذا نفعل وجميع مناهجنا العلمية والادبية والدراسية والاكاديمية متخلفة وجامدة، وقد يكون تخلفآ موجهآ ومقصودآ.

ماذا نفعل وأعلامنا بكل قنواته ووسائله وأداراته باطلة وعاطلة.

ماذا نفعل ولا فعل الا للسلطة وعصاها.

هل أقتدينا بفرنسا او الصين او اليابان.

رفضت هذه الدول التعليم الجاهز والمناهج الامريكية المبرمجة وأحكمت السيطرة على لغتها وهويتها الوطنية.

اللغة هي العمود الفقري لثقافة اي بلاد.

أوصدت جميع أبوابها أمام موجة الاعلام الغربي وأفلام هولويود.

صنعت أفلامها ومؤسساتها، حتى مواقع التواصل جعلت لها بديلا بلغتها وثقافتها، في حين لم تكن الا أفضل وأرخص وسيلة أستخباراتية للشعوب في بلادنا.

ماذا نفعل والهجرة الى الغرب بات قارب النجاة الوحيد في القارة السمراء والخضراء وكل قارة.

أننا ندور في حلقة مفرغة مليئة بالشعارات والمناظرات والعواطف الثائرة بالرغم من وجود نخبة رائدة من المفكرين والعلماء والمخلصين الذين بذلوا جهودآ لايمكن أنكارها في تحليل العلة ووضع الحلول العملية والتطبيقية للتخلص منها.

لكن الواقع أمر آخر، المؤسسات التعليمية والاكاديمية والفنية والانسانية والقانونية تشبه بيوت العنكبوت، قديمة، ركيكة، وخربة غير قادرة على رفع مستوى المواطن وتلبية أدنى متطلباته وتحقيق الرفاهية الفكرية والعقلية التي تضمن بيت حضاري ومجتمع حضاري وأمة حضارية وهوية مميزة.

ونحن بين الغرب ومؤسساتنا العريقة نفقد كل شيء حتى كرامتنا وأسامينا.

الا شيء واحد لايمكن لاحد ان ينتزعه منا بأي نوع من أنواع الغزو.

أحلامنا.