يرقد جسدين بسلام وحب وصمت في أعظم أسطورة حب كتب لها الخلود والابدية الى ما شاء الله.

أنه ضريح من الرخام والجرانيت الابيض الذي بلغ قمة الابداع والنقاء حتى قال عنه المهندسون “أن نقاء الخطوط في العمارة من نقاء الامواج”.

في أول نظرة يعطيك هذا الصرح المؤثر أنطباعآ بأنه حي نظرآ للقصة والاحداث الفريدة التي أرتبطت به، فهو ليس ضريحآ ولا مسجدآ ولا مزارآ ولا متحفآ، أنما هو قصر أبيض على شكل تاج شيده الملك شاه جيهان الامبراطور المغولي ليضم رفات زوجته أرجمند بانو بيجم التي عرفت بأسم ممتاز محل تجسيدآ لعشقه لها وتخليدآ لذكراها التي أبدآ لم تمت حتى وافته المنية.

ضربت أرجمند أروع الامثلة على الوفاء والاخلاص، فدخلت التاريخ من أوسع ابوابه وصار ضريحها أحد عجائب الدنيا السبع.

تاج محل .. هل هو صرح معماري يفوق التصور والادراك بتصميمه الفني والعلمي أم أنه قصة حب أسطورية خالدة لازلت تعيش الى اليوم بيننا ويزوره ما لايقل عن ثلاثة ملايين شخص سنويآ.

ألتقى بها في السوق، تولد بينهما أهتمامآ سرعان ما تحول الى قصة حقيقية وقصة حب نادرة.

كانت شديدة الذكاء وباهرة الجمال ذات مولد رفيع الشأن من أشراف القوم، طلب الامير من أبيه الامبراطور جيهانكير الاذن بالزواج منها فجاء الرد بالرفض لان الزواج عن حب لم يكن شيئآ مألوفا في قصور الهند في القرن السادس عشر، غالبآ ما تكون الزيجات سياسية او لتحقيق أهداف أستراتيجية او تعزيز التحالفات العسكرية.

أصر والده على الرفض فقام بتزويج أبنه مرتين خلال أربع سنوات لم ينجب فيها الامير أي طفل، وظل يقابل حبيبته بالسر فأنكشف أمرهما ورضح الامبراطور الاب أمام الامر الواقع عندما أستيقن أن أبنه لايستطيع العيش بدون أرجمند، فبنى لهما جناحآ غاية في الابداع والرومانسية في قصره الملكي حيث كانا يقضيان معظم أوقاتهما معا.

حاول الاب مرارآ أن يبعد ولده عنها فأرسله الى غزوات عسكرية خارج البلاد، فما كان من زوجته المحبة الا أن تترك قصرها وتصطحبه في جميع غزواته بالرغم من الخطر وصعوبة الاقامة في مخيمات عسكرية.

أصبحت مستشارة زوجها لشؤون السياسة وذاع صيتها في رعاية اليتامى والارامل والعوائل الفقيرة فصارت محبوبة الشعب والجماهير.

أصبح الاثنين لايفترقان داخل البلاد وخارجها وكانت مشورتها وحكمتها دائمآ ذات فائدة ومكانة عظيمة لزوجها.

وعندما أستلم مقاليد الحكم بعد وفاة والده، كان حاكمآ طموحآ وعادلا حتى لقب ب الامبراطور العادل.

هام شاه جيهان في حب زوجته وكانت رفيقته الدائمة في كل رحلاته وسفرياته وجولاته ومهماته العسكرية.

أنجبت له أربعة عشر ولدآ وماتت على فراش الولادة عام 1631 عن عمر يناهز الثمانية والثلاثين ولم يعيش من أبنائها سوى ستة، أربعة ذكور وأبنتين.

فشل جميع الاطباء الذين أرسل اليهم من بلاد العالم في أنقاذها، وكانت أخر كلماتها وهي تودعه: لاتتزوج من بعدي، لن تحب أمرأة مثلي، لاتنسى أن تزور قبري.

أعتزل بعد موتها ثمانية أيام وعاش في حداد لمدة عامين.

كان حبه الشديد وتعلقه بها السبب الذي ألهمه لتشييد هذا الصرح العظيم في مدينة آكرا التي كانت تمثل عاصمة الهند ثم قام الامبراطور بنقل العاصمة الى دلهي الجديدة والتي تبعد ثلاث ساعات بالسيارة.

أن النظر الى هذا القصر يترك في النفس حزنآ عميقآ وحبآ نقيآ.

يعتبر من أجمل نماذج طراز العمارة الاسلامي حيث يعرف بأنه جوهرة الفن الاسلامي في الهند وأحدى روائع العالم الخالدة.

أمضى زوجها كسير القلب وهو يعمل على أنجاز حلمها ببناء صرح يخلد ذكرى حبهما والذي طال عقدين من الزمن تقريبآ.

بدأ بوضع أساس ضريحها عام 1631 وأنتهى بناؤه عام 1653.

بالرغم من أعتراض أولاده قرر أن يقيم لها ضريحآ متميزآ لايضارعه آخر على وجه الارض، فكان الرخام الابيض دليل الحب الصافي وجمالها.

قاد أبنه الثالث أنقلابآ ضده وسيطر على العرش الملكي وأعتقل والده وقام بالحجر عليه لثمان سنوات في قصره الملكي مقابل ضريح تاج محل، ثم قام بأعدام أخويه.

لم يكن من الملك الا أن يطلب في وصيته الاخيرة بأن يتم دفنه الى جنب ملكته الوحيدة.

لم يبق الا أبنته الصغرى التي كانت تقوم برعايته حتى وافاه الاجل عام 1666 عن عمر يناهز الاربع والسبعين، فقامت بأنشاء قبره الى جانب قبر أمها وعلى نفقتها الخاصة.

وصف نهرو تاج محل “هذا ليس قبرآ .. هذا أغنية من مرمر”

وقال فيه الشاعر المعروف طاغور بأنه “دمعة على خد الخلود”.