سمارا نوري

لأول مرة أنتهي من رواية كبيرة الحجم نسبيآ في خلال أربعة أيام.

ألتهمتها وكأن فيها شيئآ يعنيني .. وشيئآ يثير أهتمامي .. وأشياء أثارت أشمئزازي، فلعنتها ولعنت غربتنا – أهل العراق – وكل من كان السبب في قصصنا.

أنها قصة فتاة عراقية ولدت وعاشت في الدنمارك .. ينقل قصتها الى العربية المترجم الذي وقعت في حبه من دون أن تراه او تعرفه.

فاقت صيغتها الادبية أبلغ مستويات الابداع بقدرتها على ترجمة التفاصيل والاحاسيس بشكل صادق وملهم، تجعلك تشعر وكأنك أمامها تسرد كل حرف لك وحدك.

جريئة للغاية .. وتتغلغل الى أعماق دفينة من النفس، أستطاعت أن تعبّر عنها بكل عفوية وبساطة.

لاشك أن خطوط حياتها تتقاطع مع حياة أغلب المهاجرين العراقيين، وأن اختلفت الاحداث والاماكن والزمان.

لانستيطع كعراقيون أن ننكر التناقضات الشديدة التي كنا نعيشها داخل العراق.

العراق لايشبه المغرب ولا مصر ولا لبنان في تحرره وطبيعته الفسيولوجية.

ليس للرموز الدينية التي يتطبع بها العرب محل في حياة الاغلبية .. لا صلاة .. لا مساجد .. لا حج .. الحجاب مستنكر والصيام أفضل حظآ من البقية!.

لامكان لهذه المفردات .. وأن وجدت فعاقبتها وخيمة غالبآ ما تنتهي بالاعدام وهروب بقية العائلة الى الدول الاسكندنافية بالذات في مرحلة الثمانيات، قُتل كثير من الشباب بتهمة الانتماءات الدينية والاحزاب التي لها علاقة بالدين.

عندما يكون الانسان مجردآ من أبسط أبجديات الدين، فأن أنجرافه يكون عاتيآ وأنحرافه بلا حدود.

فكيف أذا واجه تسونامي الغربة بكل ما تحمله من ثقافات مختلفة وعادات مستهجنه وأنكار للدين!.

هذا ما صوره عماد ورافد القادمين من العراق، بخلفية وثقافة عراقية أصطدمت مع الثقافة الاجنبية بقوة و من دون حصانة.

أما الجيل الذي ولد وترعرع في المهجر .. فتلك مأساة أخرى.

لم يكن الامر مهيئآ لابائهم، والطريق عتمة بلا ملامح، كان عليهم الرحيل في يوم عاصف رهيب لم تبق ولم تذر.

وكان الطريق وعرآ، مليئآ بالاشواك والعقارب والسموم.

والى خيالكم أترك كيف لمن نجى من هذه الرحلة المضنية أن تكون حاله في مقره الاخير!!.

الاغلبية أرادت أن تنسى الماضي، والعراق بكل تضاريسه وأهواله وحكامه، فنزعت عنها جلدها ورمته في أقرب مزبلة غير متأسفة على تلك العراقية التي جلبت له الخزي والخذلان.

فأنقلب بين ليلة وضحاها أنكليزيآ او أستراليآ او سويديآ على حسب مقره الجديد .. وبجدارة.

فولد جيل مشوه لابوين ضائعين لايربطهم بأولادهم سوى الدي أن أيه وشهادة ميلاد.

وهذه لعمري أشد وأقسى من كل الحروب والاهوال التي يمكن لبشر أن يخوضها.

أن يكون لك ولد لاينتمي اليك، عندما لاتكون بغداد محل ولادته ولا حروف الضاد أول كلمات نطقه!!.

أغلى ثمن ممكن أن يدفعه أنسان في سبيل الامن والاستقرار.

جنسية وحقوق أنسانية وفرص تعليم وعمل وكل ما يتمناه المرء من حياة كريمة ورفاهية مطلقة .. بثمن باهض.

ضياع وأضطراب وازدواجية نتعايش معها بكل ألفة وود.

ويالشقاء من أراد أن يحيد عن الطريق ويقول: “أني مسلم .. أني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم”.

سيرجموك بوابل من الرصاص يمزق احشائك ويتركك حيآ لاتموت.

فهل يلوم أحد أستهتار هدى او زينة .. او سفالة عماد .. او جهل والديهم .. او ضياع رافد !!!.

لايرمينا احد بالكفر والفسق .. هذا شيعي أيراني وذلك سني وهابي .. فوالله لو ان جبلآ حمل ما حمله العراقي لنسف وخار.

خسرنا العراق .. خسرنا أنفسنا .. خسرنا أولادنا ..

وخسر العالم علم وأدب وثقافة وفن وحضارة، لو اجتمعت الدول بشرقها وغربها مااستطاعت ان تعيدها او تصنع مثلها.