خواطر برنامج نفتخر به في عالمنا العربي من بين كمية الغث التي تهرج لها الفضائيات ومغيب بها المسطحين من العوام.

أجد فيه رائحة برنامج رحلة الذي كنت تشارك فيه الشيخ حمزة يوسف، أرق وأبلغ وأجمل برنامج ومن يتعلم بمدرسة حمزة يوسف لابد ان يتميز وينتج شيء مثل خواطر.

خطرت لي فكرة أتمنى أن يتسع صدرك الرحب لها وأنسانيتك التي أختلطت بالعالم ومنحتك القدرة على الانفتاح والخروج من صناديق الفكر المغلقة.

لقد كنت على مر السنين تقدم في برنامجك نماذج هائلة في التطور والاحسان وبالتأكيد فالقصد من كل حلقة وكل بلد ومكان هو بلادنا وعالمنا العربي وتشجيع الشباب والشعوب والحكومات على التأسي بتلك النماذج الرائعة التي كنت تعرضها طوال الحلقات على مر السنين.

لا يختلف أثنين اليوم أن العالم العربي وصل أدنى مستويات الانحطاط الفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي وفي كل مجالات الحياة بأمتياز مؤلم.

وبالرغم من مرور أكثر من 14 قرن على الدخول في عصور التخلف والظلام الا أننا لا نستطيع أن ننسى أرثنا الذي حققه معلمنا وملهمنا رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه ومن ثم قمة بلوغنا وفخرنا في دولة الاندلس، لا زالت تلك الصروح تعيش في ضمائرنا ونجاهد بوسعنا أن نبلغ ذلك المقام مرة ثانية ونرد لامتنا أعتبارها ومكانتها التي شرفها الله بها.

سيتم ذلك بنا او بغيرنا ,, الان او غدآ فهو مصير نؤمن به ولا نتنازل عنه مهما بعدنا.

في أغلب حلقاتك كنت تركز على نماذج ناجحة وبلدان أنتقلت من الصفر الى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة بعد أن كانت تغرق في سبات الجهل والظلم والدمار مثل اليابان والمانيا وسنغافورا.

تُظهر ستراتيجية تلك الدول وأنظمتها في شتى نواحي الحياة وبالتحديد الاقتصادية في أنشاء المعامل وتطوير المهارات والاهتمام بالعلم و الالتزام بالدقة في أبسط الاعمال.

العطالة في عالمنا بلغت أوجها ويكفي أحصائية سريعة لمعرفة عدد المهاجرين العرب والعقول العظيمة في بلاد العالم المتقدم لنعرف مدى سوء أقتصادنا وفساد أنظمتنا وأغلب دولنا غنية لاتفتقر الى الموارد ولا الى العقول.

بالاحرى فالمسلمين والعرب كانوا ولازالوا الاوائل والسباقين في كل مضمار في بلاد الغرب ,, أسماء لامعة وأنجازات تفتخر بها دول المهجر التي قدرت أعمالهم وكفائتهم التي حرموا منها على أرض بلادهم.

نعم نحتاج الى ثورة في عالم الصناعة لانتاج القطن والبن والفوسفات ومختلف الزراعات التي تستطيع أرضنا أن تهبها بجود ونوعية فاخرة بدون منافس.

نحتاج لمعامل لانتاج السيارات والطائرات ومواد البناء حتى أخف وأبسط الصناعات.

نحتاج الكثير في قائمة تطول ولا تقصر.

نحتاج الى أنقلاب جذري لاحياء كل الصناعات والحرف والمهارات.

ولكن قبل كل ذلك كله نحتاج الى بناء الانسان.

هذا بالظبط مافعلته أنكلترا وأمريكا ودول الغرب وسنغافورا وماليزيا واليابان وجميع تلك الدول التي كنت تتخذها نموذجا في حلقات برنامجك.

أني أتمنى في خواطر 10 كما أسميت مقالتي بأن تركز على أمور ذاتية وأبسط بكثير من بناء المصانع وتشييد المدن لانها الاساس لنهضة جدية وتغيير جذري بدونها فأن كل مصنع وكل برج وكل أنتاج لن يكون الا هباءآ وجهد مهدور.

اليك شي يسير من بعض الامثلة الحية التي نعيشها كل يوم بحزن وأسى ,, بعضنا ينكرها ولو في القلب وبعضنا أعتادها لدرجة أنها باتت ثقافه مجتمعية وظاهرة طبيعية لاتستدعي اي أنتباه او تغيير وهنا تكمن الخطورة والعلة كلها.

يقولون أن الشوارع هي الواجهة الحضارية الاولى لكل مدينة فأن أردت أن تعرف طبيعة أهلها وثقافتهم فما عليك الا بجولة سريعة في شوارعها وأحيائها.

بالله عليك أذكر لي مدينة في عالمنا العربي تستطيع ان تقود سيارتك بنظام وخلق ذاتي وفن وذوق ,, بدون أنحياز!!!.

القيادة في مدننا رعب و أفلاس أخلاقي و تجاوز لكل القوانين والاعراف.

والحقيقة أن موضوع القيادة في الشارع تحتاج الى برنامج كامل من 30 حلقة لتستطيع أن تغطي كل ما لا يستوعبه عقل ولا يرضى به ضمير.

أذهب الى شوارع كندا وأوربا لتعرف أنها مدارس حية في الاخلاق والمسؤولية والوعي قبل أن تكون طرقات نظيفة وشوارع أنيقة وأسلوب للحياة.

التجاوزات والتهاون بالقوانين في شوارعنا بلغت حدآ من الاستهتار الى الدرجة التي أصبحت فيها الارواح رخيصة والحياة غير آمنة.

لا أريد أن أدخل في التفاصيل لفة سريعة في اي شارع وسترى ما يشيب الاطفال ويصعق العقل أساسها قلة الوعي والجهل والانانية المطلقة والمفاهيم الخاطئة التي يجب حرثها وقلبها وحرقها قبل أن تنتقل كالكوليرا من جيل الى جيل ومن شخص لاخر.

لنترك الشوارع والسياقة فهذا الامر يسبب لي أزمة لا أستطيع التعايش معها.

مارأيك بنموذج جذري ومختلف في جولة تفصيلية عن أحوال الناس في شهر الصيام على سبيل المثال، شهر الرحمة وشهر الخير وشهر الاستقامة ومراجعة النفس والمحاسبة وشهر النقاء والخروج بقلب سليم وطاقة أيجابية هائلة.

أنصحك بزيارة الكنائس في أيام عامة او خاصة وفي أي وقت، وبالرغم من أختلاف مفاهيم الدين والايمان والعقيدة يبقى للمكان هيبة لا يتعداها أحد فلا تجد من ينام على أرض الكنيسة في داخل او خارج أوقات الصلاة ولن تجد من يثرثر ويلغو بحرية وقلب ميت وغيره في صلاة ولا تجد طعامآ ولا انتهاكآ لحرمة المكان حتى وأن كان الشخص خاليآ من أي عقيدة وكافرآ بكل دين.

ستجد الهدوء والسكينة وأحترام المكان والناس التي تولد في النفس خشوعآ وأتصالا شفافآ مع رب المكان.

ظاهرة مؤلمة يتوقع المرء على الاقل أن يستحي في بعض الاشهر او في بعض الاوقات ولكن لاحياة ولا حياء لمن تنادي.

يقول جل وعلا في سورة الحج: ومن يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب.

فأي قلوب تلك التي لاتحترم أنسان يصلي او عبد يدعو او شخص يتلو القرآن.

أذا ذهبت الى أي مكتبة عامة فلا تسمع الا همس خفيف وهدوء مطلق قد يطرد من المكان من لا يلتزم بها ,, فكيف بقرأءة كتاب الله وكيف بمن هو قائم يصلي بين يدي الله وحوله نفر من الجاهلين لايكفون عن اللغو و اللهو!!!.

يمكن جولة في مساجد تركيا او ماليزيا او أمريكا تغني عن الكلام ,, أنا شخصيآ عرفت الاسلام في كندا وتعلمت طقوسه وشرائعة الحية بين الناس قبل أن أخوض في كتب الدين والتفسير.

هناك في كل مكان وحدث وزاوية مدرسة في الخلق والمسؤولية والالتزام.

الدين لايقود بالضرورة الى الاخلاق ولا داعي بالاستهشاد ولكن حتمآ الخلق يؤدي الى الايمان والتفكر السليم والرجوع الى الحق.

أمر آخر أبسط بكثير من السياقة والصلاة.

حبذا لو تبين للعالم العربي أبجديات ألقاء التحية والسلام في العالم المتحضر والتي ذكرها الله في كتابنا وكالمعتاد عمل بها الاخرون.

ولايستهين أحد بها فهي أجمل وأول ما يبدء به الانسان من الاعمال بتواضع وأنسانية يؤجر عليها بما يشاء الله من الحسنات.

في عالمنا العربي الوجوم والعبوس دلالة على الحياء وحسن التربية!!!!!.

وفي تلك البلاد أنظر الى الناس في الشارع كيف يبتسمون أبتسامة قلبية صادقة تنتقل فورآ لترسم أبتسامة على وجهك وبهجة في قلبك وأن كنت في أسوء مزاج.

فما بالك في أماكن العمل والمؤسسات والدوائر والعمل التي تشع بالطاقة الايجابية والنشاط الحيوي الذي يبدأ بأجمل تحية وأفضل سلام.

تفاصيل صغيرة ولكنها عظيمة تحتاج الى ثورة حقيقية في كل نفس والعودة بها الى فطرتها والارتقاء بها الى مصاف الانسان الذي خلقه الله وسجدت له الملائكة.

ولكن شتان بين أنسان وأنسان.

هناك من تنحني لادميتهم وفطرتهم وأخلاقهم وهناك من تنفر من هيئتهم وثقافتهم وسوء أحوالهم.

بدون الاخلاق لن تكون صناعة ولا حضارة ولا رقي ولا نهضة.

وعندما تكون أمة مظلمة تمامآ كما كانت أنكلترا وسنغافورا واليابان فلا شيء يفرض الاخلاق ويثبته غير القانون.

في أنكلترا كانوا يفرضون على الناس غرامات عالية لمن لايقف بأنتظام في الطابور ثم تدريجيآ صارت خلقآ ذاتيا لا يحتاج الى غرامة ولا حتى الى قانون ونفس الشيء في سنغافورا التي تشتهر بأنها بلد القوانين والغرامات في أدق تفاصيل الحياة وبعدل لا يميز بين حاكم و محكوم ولا شريف ووضيع ولا غني وفقير.

قانون صلد وعدل مطلق تلك هي أدوات صناعة الاخلاق في النفوس العليلة والقلوب الخربة حتى أذا ما شفيت وعرفت الحق صارت في مصاف من يستحق أن تسجد له الملائكة ويستحق الخلافة.

بدون ذلك الانسان لن نتغير ولن نعلو ولو كان لدينا مال قارون او بين ظهرانينا أشرف كتاب وأعظم شريعة.