في كل مرة نزورهم تدور بيننا أحاديث عامة ومجاملات وأخبار العباد والبلاد، ثم لايلبث بتلك التلميحات التي تدير دفة الحديث ليتمحور حول أمر تكلمنا فيه كثيرآ، ليس من باب المتعة او الاستفادة ولكن رغبة في الجدل وأثبات الذات.

أجد نفسي في موقع الدفاع .. والهجوم أحيانآ.

ماهو الحديث؟

الاسلام .. ديني ودينه ودين جميع الحاضرين وبالتأكيد سبب أزمة العالمين!

جعلوني في خانة ” المتدينين” وهم في خانة ” المتحضرين” بعد ان أعتنقوا بعض القيم ومفردات من اللغة الانكليزية!.

قلت له: أن لكل شخص صحن لاقط في رأسه يوجهه كيفما يشاء ليسحب الموجات والترددات التي يريد مشاهدتها والاستماع اليها بمحض أرادته.

أنت تتهم المتدين بالجهل والازدواجية وسوء الخلق، ولاتنظر الا الى فئة واحدة فقط من المتأسلمين اللذين حسبوا أن بعض مظاهر الدين تشفع لهم أفعالهم وتستطيع أن تستتر على عيوبهم وقباحتهم.

ومثلهم المتأسلمين المتحضرين اللذين حسبوا أن القلب الطيب وبعض الاعمال الخيرية ترضي الرب وتجعلهم من المصلحين.

والاثنان وجهان لعملة واحدة، أن كان مصليآ متهجدآ مسيئآ لربه بأخلاقه وأنحرافه او خلوقآ عالمآ ليس في مظهره و كلامه مايدل على أنتمائه ولا في حياته وقت لشرائع لاهوتية مثل الصلاة والصيام وغيرها من أفيون الاعمال!.

لاتبرر تقصيرك وتتنكر لمسؤولياتك ببعض الاعمال المستقيمة وأنحراف أهل الدين.

أن الذي عرف ربه حق اليقين وتدّين تدينآ حنيفآ أنسان أستسلم لارادة الله ومشيئته والهدف الذي خُلق لاجله، لا ماتريده أنت وتلك النفوس.

ومن يتشرف بهذا التعريف لايمكن أن يخل بأي من مقومات مثلث المعرفة الذي به تستطيع أن تميز من كان متدينآ ام مدعيآ، وغياب أي ضلع من أضلاع ذلك المثلث يشير الى خلل جذري وقصور في الفهم والادراك او قد يكون جحود ونكران وبالتالي تقصير متعمد وأختيار حر.

أما أضلاع ذلك المثلث فهي المظهر والسلوك والاعمال.

تجتمع في شخص واحد بلا نقصان او تناقض وبنسب تتفاوت من شخص لاخر، فهو لن يبلغ الملائكية بتلك الصفات ويبقى أنسان يخطيء ويصيب من دون أن يتجاوز حدود المثلث او يكسر أي من أضلاعه.

فلم تضعه تحت مجهرك وتصدر عليه أحكامك من دون تفريق ولا أنصاف!.

كنت في فترة من حياتي ألتزم بضلع واحد، ولم تكن حياتي الا عبث وضياع مهما عظمت شهاداتي وبغلت أنجازاتي لان دوري الحقيقي الذي خُلقت من أجله كان معطلآ.

نحن هنا في رحلة مؤقتة ومهمة محدودة وحساب مرهق.

تلك هي التركيبة السرية والسحرية التي لايفهمها المتأسلمون المتخلفين والمتحضرين، كل شاردة وواردة في الحياة مرتبطة مع بعضها أرتباطآ وثيقآ ولايمكن تحقيقها بدون ذلك المثلث.

أن حاول الانسان صادقآ التقرب الى خالقه والتعرف اليه وسعى بجهد الى تلك المعرفة، منحه الله فرقانآ يصبح فيه البصر حديد ولايمكن أن يستمر في التخبط والتقليد.

أنسان صار يمتلك زمام الكون بيده، تطوعت وأستسلمت بين يديه، يسيرها كيفما يشاء هو ولاتسيره.

فلا عالم متغطرس كأنه خلق الكون بعلمه، ولا ثري متصدق بأعماله الخيرية وحفلاته الماجنة، ولا شيخ ليس في وجهه ومضة نور ولا في حديثه الا النار والحرام، ولا عابد متعبد قاطع للرحم والرحمة، ولا محجبة مثيرة للفتن والشفقة.

لم يعجبه كلامي كثيرآ وأراد أن يستفزني بطريقة أخرى ليسفه الامر او بالاحرى نفسه! فأدار الموضوع حول الطائفه فلان والمدينة فلان والمجرمون فلان.

لم يسعفني صبري كثيرآ وقلت له بلهجة حادة، وماخصك بالطائفة فلان أن كنت أصلا تتحرج من أنتمائك وتشك في دينك، لاتعرف الصلاة الا في بعض المناسبات ولاتفوتك الحفلات والدعوات ولاتجد في الشراب حرامآ مادمت طيبآ متخلقآ متصدقآ وزوجتك المصون تقف الى جانبك في شبه ملابس مع أني لو كنت مكانها لاحتشمت ليس خوفآ من الله بل من سخرية الناس وألسنتهم اللاذعة التي تطولك قبل أن تصل اليها.

هل ياترى فرضت الصلاة على الطائفة الاخرى وخففت ورفعت عنكم؟ مثلك كمن يريد أن يكون قاضيآ وهو لم يدخل المدرسة!.

مالك وللطوائف والملل تتكلم فيما يفرقها ولم يخطر ببالك يومآ ما يجمعها ويوحدها.

أحتقن وجهه وأراد أن يفترسني بغيظه ولم أتوقف.

قلت له: أن مهمتنا الاساسية هي أصلاح هذا العالم أبتداءآ بأنفسنا.

أن عالمنا مضطرب غارق بالدم والعنف والفساد.

دول تقتّل وتباد وتهجر على مرأى العالم من دون حساب ولاعقاب !!

عري فاضح في كل بيت، أن لم يكن في أهله فعلى شاشات التلفزيون من دون خجل ولا حياء.

سرقات ونهب وفساد أدراي وأخلاقي على مستوى دول ومؤسسات وأفراد من دون رادع ولاقانون.

فوضى عارمة وأنتهاك لكل الحرمات سببها هذا الانسان الجاحد والجاهل.

ستظل معركته خاسرة وعالمه مرعبآ مادام مخدرآ بالاكاذيب، لاهيآ بالتفاهات، مصرآ على الانقياد والاتباع.

ولكن ..

هناك نفر لاتراهم أنت ولا أولئك اللذين تنتقدهم، لاينتمون لطائفه ولا حزب ولا قبيلة، يرجون رحمة الله ويخافون يومآ تتقلب فيه الافئدة والابصار، ليسوا بالكثرة الا أنهم أمة واحده والى ربهم يعبدون.

منهم سيُبعث قائدآ يشبه الذي كنا نقرأ عنه في القصص والاساطير، دستوره كتاب الله وسلاحه الايمان، سيقلب الارض حرثآ ويخرج الفئران والاشواك والادغال، تتعرض لنور الله لتتطهر وتتعافى، ثم يزرعها صلاحآ وسلامآ وأمان.

لاأطلب منك أن تتبنى أفكاري، ولاتستطيع أن تغير مابرأسي، لقد أختار كل منا طريقه وهذا حق وهبه الله لنا جميعآ ولايستطيع أحد أن يمنعنا أياه.

فلنعش ونعمل كل في أختياره، لي رؤيتي ولك مثلها، ولي هدفي وعندك أيضآ هدف.

لكننا سنلتقي، لابد أن يكون بيننا لقاء لنعرف الحقيقة كاملة بلا تضليل ولاتحريف، سيكشف الحجاب وينتهي الجدال، ولن يعود هناك خير ولا شر.

لاشيء سوى الحقيقة وعدالة مطلقة.