كان هذا أول مقال كتبته على مدونتي عندما أنشأتها بعد أيام قليلة من دخول السنة الجديدة لعام 2012.

وحق لي أن أحتفل بهذا المقال في ليلة رأس السنة من كل سنة.

اليكم ما كتبت ..

أفكاري مبعثرة وقلمي يهتز تحت أناملي وأنا أخطو أول كلماتي نحو عالم طالما تمنيت أحترافه والغوص فيه.

اليوم نفضت الغبار عنه والخوف من قاموس حياتي وقررت ان أبدأ.

سأبقى طويلا أسبح على الجرف وأتعلم بهدوء.

من ساحلي هذا قررت أن أكتب عن ليلة رأس السنه.

أحاول جاهده ان أعتبرها كبقية الليالي وأن لايكون لها خصوصيه .. كما عند بعض الاقلية تجد فيها مناسبة هجينه لاتخصنا ولاتنتمي الينا.

تنتمي .. تلك هي المفردة.

نحن نعيش في عالم لاادري أن كان ينحسر يومآ بعد آخر ليصبح ضيقآ لايحوي الا ثقافه واحده ..

ثقافة الغرب وبالتحديد الثقافة الامريكية، ويصارع الاخرون بشدة لاثبات هويتهم وتعزيز مكانتهم ليكون لهم حيزآ ولو صغيرآ في تلك المساحه المنحسره خوفآ ان يأتي يوم تختفي فيه كل الثقافات وكل الحضارات ولايكون للبقاء اي معنى.

عندنا في الاسلام سنه هجريه لو سألت اغلب أهله بأي سنة نحن مااستطاعوا أن يعرفوها فما بالك بأجيال من المسلمين هجرت وبعدت وأندمجت بأشكال من الامم والثقافات، والناس معادن بعضها سهل الانصهار وبعضها يتلون ويتشكل حسب المكونات وبعضها صلب لاتجري عليه عوامل التفاعل ولاحتى الزمان، او قد يصير عليه بعض التغيير ثم لايلبث ان يعود لمادته الاوليه ويبقى لعوامل المناخ والبيئه الاثر الاكبر على كل معدن ..

مع تلك الصحوه الاسلاميه والتفات الكثير من الشباب على وجه الخوص والرجوع الى دينهم في ظاهره لم تكن ملامحها بارزه الا قريبآ في القرن الاخير، لم يكن الاسلام الهويه الواضحه لكثير من الشعوب المسلمه لفتره طويله ..

ثم وكأن ماردآ قد استفاق من سباته وصار يهدد العالم، يحاول بعض أصحابه تبرئته من تلك الهجمات التي يشنها عليه أعوانه و أعدائه .. فظهرالهرج والمرج في كل مكان .. جرائم وعنصرية وحمامات دم وفوضى كلها بأسم الاسلام .. كراهيه وعداوة وحروب بسبب الاسلام .. خلاعه ومجن وانتزاع لكل القيم وحتى العادات للتخلص من جمود الاسلام .. جهل وتخلف وغلظة تستتر بأسم الاسلام .. قائمه طويله لاحدود لها انتفضت كلها فجأه تنهش بهذا الدين السماوي وكأنه مجرم مدان.

تنكر منه أصحابه، لا ليس منه فحسب بل وحتى من لغتهم وعاداتهم واعيادهم ولباسهم ومأكلهم وبلدانهم، ومن كل شي يمت اليه بصله!

وبقيت قلة قليلة تصر على الدفاع عنه والاستماتة في سبيله.

كان صوتها أشبه بالهمس الذي لايسمعه الا صاحبه، ثم صار يرتفع وينتشر حتى أصبح واضحآ نقيآ أستطاع أن ينفذ بالرغم من كل محاولات التهميش والتعسف الى بعض القلوب المرهفة.

وعندما يأتي عيد مثل رأس السنه يحتفل به الناس من كل الاديان والاعراق والثقافات تأكيدآ على هيمنة ثقافة غالبة، يصبح لذلك الاحتفال دلالات اخرى اكثر بعدآ وعمقآ، لم يكن لرأس السنه تلك الاهمية والحضور والتعداد مثلما كان في العقود الاخيره عندما أصبح أكثر الناس نسخه واحده او هكذا يتمنون لكي يجدوا القبول والترحاب في عالم لم يعد قادرآ على أستيعاب الاختلاف ويعتبره تهديدآ او منبوذآ.

لاأنكر أن لرأس السنه ذكريات جميلة في طفولتي وأيام صباي عندما كنت أهنأ بالحب والسلام بين أهلي، وكل من حولي هم قومي، ولم يكن هناك أجناس اخرى الا أفراد.

ومع أننا لم نعرف السلام ولاحتى أدنى مستويات الحريه و العيش الكريم في تلك البلاد لكننا لم نمتعض وأرتضينا ماكان .. قد يكون ذلك هو الذنب الذي غير كل شيء من دون رجعة.

لااريد الخوض في ذلك الان فتلك طريق شائكة وأيدلوجيات معقدة يصعب على مثلي الاضطلاع بها.

مازلت أصر على الاحتفال بليلة رأس السنه كما كنا نبتهج بها في بيتنا الدافئ مع عائلتي وأخرى أرتبط بها والداي منذ ايام الدراسة في أمريكا قبل ان يتزوجا ونكون.

لم يكن هناك العابآ نارية ولا أحتفالات حاشدة، أنما كان عشاءآ مميزآ وفرحه بأن يتبدل تاريخ سنة طويلة الى تاريخ جديد عند الساعه الثانية عشر ليلا فتمتلأ قلوبنا بآماني جديدة وأحلام جديدة وخطط جديدة وأمور أخرى تبعث السرور والحب في النفس.

قد لاتكون شيئآ يذكر ولكن لها دفيء وذكرى لاتنسى.

وأي محاولة مني لأعادة شيء من تلك الأيام قد تبدو فاشلة اليوم ، ليس لاني لم أعد بذلك البلد او ذاك البيت، ولكن مفهوم العائلة قد تغير، لم يعد هناك أصدقاء الطفولة اوأصحاب العمر في زمن صار الترحال والاغتراب هويته والفردية من أبرز سماته.

سأحتفل بهذه الليلة مثل كل الناس ولكن على طريقتي ..

فعندما تعلن السنة آخر دقيقة من عمرها يزداد الناس أبتهاجآ وصراخآ وحماسآ ولا أستطيع ان أجزم بأنه فرحآ ..

أتوجه أنا الى ربي في أجمل لحظات من الحب والخوف والشوق والرهبة وكلي رغبة بأن يتجاوز عني ما غلفته تلك السنة بشرائط الستر والنسيان وأن يمنحني فرصة اخرى في السنة الجديدة ..

لاقترب أكثر.