لم أجد أفصح من هذين العنوانين للكاتبين العراقيين أحمد سعداوي وأنعام كجه جي كعنوان غامق ودقيق وشامل لتعريف العراق بوضعه الراهن منذ عام 1990، فقد أختصرت هاتين الروايتين وكأنها رواية واحدة قصة العراق بمأساتها الداخلية والخارجية بأبداع وقوة.

فرانكشتاين في بغداد حيث المجرم مجهول الهوية ويستهدف الجميع بشكل مرعب ومثير للغموض.

يقوم بطل الرواية هادي العتاك بتلصيق بقايا بشرية من ضحايا الانفجارات في بغداد عام 2005 ويخيطها على شكل جسد جديد يطلق عليه اسم “الشسمه” وهو تعبير عراقي محلي لشيء لا أسم له، يريد الشسمه أن ينتقم من كل من قتله او قتل الاجزاء المكّون منها، فيصبح الشغل الشاغل لسكان المدينة المذعورة والسلطات الامنية التي تلاحقه وتطلق عليه أسم المجرم أكس ويسميه أخرون فرنكشتاين، وينقسم الناس بشأن حقيقته او وجوده فعلا.

فازت هذه الرواية التجريدية وبجدارة هذه المرة بجائزة بوكر العالمية للرواية العربية 2014 بعد أن فقدت مصداقيتها وأعتبارها في الدورات السابقة.

مبروك للعراق والعراقيين، هكذا علق السفير العراقي في دولة الامارات عندما قابلته بعد أنتهاء المراسيم.

طشاري أيضآ كانت نجمة في سماء البوكر العربية.

بالطبع لم أحتج الى ترجمة المؤلفة لكلمة طشاري عندما وقعت عيني على أسم الكتاب، كلمة طشار واردة في اللهجة العراقية بالاخص عند الجيل الذي نشأ وترعرع بين طشار الرصاص والاشلاء والزجاج وبقايا الكونكريت.

لكني لم أعرف أن كلمة طشاري ذكرت في مثل عراقي يبدو وكأنه فُصل على مقاس المأساة العراقية.

يقول المثل: صرنا طشاري مالنا والي.

بمعنى التشتت والتغريب والتفكك والفرقة التي ليس لها أول ولا تالي.

أبكتني أنعام عندما قالت في كلمتها القصيرة أن بطلة القصة الدكتورة وردية وهي طبيبة عملت كل سنوات حياتها في العراق ثم اضطرت الى الهجرة كغالبية الكفاءات العراقية بعد أن صارت مسنة، هذه الطبيبة لم تشعر بالغربة أبدآ لانها تقول بأن حروف بغداد كانت تحتضنها في كل مكان كانت تحلّ فيه.

حقق لها حفيدها حلمها بلم شمل العائلة في مقبرة ألكترونية صممها على الواقع الافتراضي لكل أفراد العائلة.

تقول الدكتورة وردية بطلة طشاري، ولكنه نسي أن يضيف اليها أشجار النخيل التي لم يتعرف اليها وتقصد حفيدها الذي نشأ في الغربة.

فماذا بعد فرنكشتاين في الداخل وطشاري في الخارج ليصف ويرسم حال العراق والعراقيين بأبلغ ريشة تجريدية.

لم أعاصر فرنكشتاين بغداد لاني كنت أحدى شظايا الطشاري التي قذفتني بعيدآ الى قارة نائية عرفت لاحقآ بأن أسمها كندا.

حاولت جهدي في تلك السنوات اللامنسية أن أغلق منافذ حواسي وبيتي لاكتم نعيق أجهزة ومؤسسات الاعلام التي أمقتها.

الا أن الحقيقة تأبى الا أن تظهر ساطعة كالشمس رغمآ عن قساوتها وبشاعتها ومرارتها بمشاعر مرهفة واحاسيس عميقة وألم صارخ بأقلام شفافة ومبدعة تمثلت في هذين المؤلفين ومئات المخصلين ممن كتبوا وتناقلوا بأقلامهم الشريفة تلك الحقيقة المؤلمة بعيدآ عن الايدلوجيات المبرمجة والسيناريوهات المدبلجة والاجندات الجاهزة والسياسة العقيمة.

تحية حب وتقدير وأعجاب من مواطن سُلب مسقط رأسه وصار طشارآ في كل مكان يملأ الارض سلامآ ويرجو الراحة لبلد يحتضر منذ الازل