أنها لرهبة الخوض بموضوع النبوة وأشرف الخلق محمد عليه الصلاة والسلام.

في هذا المقام يصعب الحديث ولايجوز أن يكون السرد عاديآ كأي مقال، انه محمد الذي توقفت والى الابد عنده النبوة فليس من نبي ولا نبوة بعده لانه الجامع الاعظم والمحتوى الاوسع لكل تجارب الانبياء السابقين عليهم السلام.

لذلك كانت نبوته سرمدية وخالدة تمتد عبر الزمن حتى نهايته.

نبي هذا العصر وكل عصر آت الى قيام الساعة لان تعاليمه والقرآن الموحى اليه قادرين على أنشاء رسل من غير رسالات فكان بعض علمائها كأنبياء بني أسرائيل كما قال عليه الصلاة والسلام “علماء أمتي كأنبياء بني أسرائيل”.

فما هي النبوة؟

أنها عملية أستنهاض للقوى الادراكية والروحية الكامنة في الجوهر لدى النبي والقدرة على أستيعاب العالمين المرئي والغير مرئي.

النبي وأن كان مبعوثآ لزمان ومكان معينين الا أنه ينظر الى الزمان من فوق الزمان وخارجه وينطر الى المكان من فوق المكان وخارجه، فيكون نظره أبعد وأنفذ وأصدق وأشمل، وعندما يبلغ النبي هذه الرؤية الشمولية فأن الزمن سيتوقف عنده لينشأ زمن جديد يتشكل بتعاليمه ومسيرته وبتوجيهات ووحي ألهي.

لايتوقف علمه عند درجة واحدة من سلم المعرفة، أنما يبقى في أرتقاء دائم حتى يرى العالم وأعجازه ونظامه في أوج جماله وكماله، فينطلق مثيرآ الانفعالات في قومه التي تحفزهم على تخطي الركود العقلي والروحي التي أعتاد عليها الانسان العادي فتجعله أكثر جرأة على كسر قيود نفسه والتخلص من أغلال عقله وروحه.

كحجر كبير يحرك أمواج المياة الراكدة في بحيرة الزمن الساكن.

وكل من يتعرض لتلك النفحات الربانية سيشعر بأنفعال قوي وتوتر شديد وقلق عميق تحركه قوة غريبة وتعمل على أزاحة الحجب عن كيانه والاندفاع بحماس الى هدف لم يكن يعرفه، يعينه النبي في أدراكه و الوصول اليه.

لذلك كان من أعظم مهام النبي هو تدارك هؤلاء اليائسين الذين بلغ بهم اليأس الى حد الاعتقاد أن وجودهم أنما هو خطأ كوني على سطح هذه الارض ليعانوا الغربة والحرمان ومختلف الوان العذاب.

وذلك بأرساء قواعد الايمان في تلك القلوب المنكسرة والنفوس المحبطة بعد كل ما عانته من جفاف روحي وتصحر وجداني كادت تؤتي على البقية الباقية من حياته.

المؤمن بالنبي والنبوة يصبح من القوة والاقتدار بحيث يستطيع أن يشكل منعطفآ جديدآ في أسلوب التفكير السائد في عصره وقد يستطيع هذا الفرد أن يلفت أنتباه مجتمع بأسره ويثير أهتمامهم لتبني أسلوب تفكيره الايماني.

وهذه الانعطافات في مسيرة الزمن والحضارة هو ماحققه الانبياء العظام من أصحاب الرسالات الكبرى وما حققه خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام.

اليوم ما لم تعد هذه الحضارة الى الدين وتجعله أحد ركائز أعمدتها فأنها مهددة بالسقوط والانهيار كما يتنبأ الكثير من العلماء والمفكرين .

فهل يقدر عالم اليوم على فهم النبوات والايمان وغيبياته وماورائه؟.

عالم الحداثة كما يسمونه الغارق في المادية المرعبة والعنف اللاسلمي والظلم القاتم الظلام في أشد الحاجة اليوم الى النبي والنبوات، فعقل العالم اليوم مصاب بقصور ذهني وغياب للفطرة المطمورة تحت ركام من المغالطات والفلسفات والثقافات وفوضى الافكار والايدولوجيات، ولاشي يمكن أن يمنح الانسان المعنى والمغزى لحياته ويعرفه بهدفية حياته ويبصر عقله ويفتح منافذ روحه على المصير والموت وما بعد الموت غير النبي والنبوات.

فالموت والحياة لغزين من ألغاز الحياة تبقى تتحدى عقل الانسان بشكل دائم وتتكرر أمام عينه كل يوم.

يقول النورسي: أذا لم نكن قادرين على أيقاف قوافل الموتى التي تدخل القبور كل يوم، وأذا لم يستطع أحد ألغاء الموت من فوق هذه الارض، فأن ذلك يستدعي التفكير الجدي في معنى الموت والحياة.

أما الحياة فهي تجل من تجليات أسمه تعالى “الحي” في الانسان والكون والكائنات، والموت وجهآ آخر من وجوه الحياة لان الموت مخلوق كالحياة “الذي خلق الموت والحياة”.

أن البشرية اليوم أعلى أدراكآ وأعظم علمآ مما كانت عليه في القرون الماضية ولكن قوة الفهم لديها بأمس الحاجة الى التطيهر والتعديل والتقويم بالاخص في تلك المناطق المعتمة التي تتعلق بالدين.

وذلك يستوجب شجاعة نفسية وعقلية تبلغ حد البطولة لكي يجتاز الانسان قمم التخلف والجهل التي لازال يقبع تحت أقنعتها بمسميات عقيمة، ولن يكون ذلك الا من خلال النبوة الخاتمة القادرة على تجديد العقل الانساني مع الزمن وانتشاله من براثن الوهم والضلال وأحداث ثورة عقلية وروحية داخل نفسه، تنقله الى حالة ذهنية وفكرية يصعب تفسيرها ولكن يمكن تتبع أثارها الى يوم الدين.

تلك هي معجزة محمد عليه الصلاة والسلام وسر نبوته وسرمديتها.

المصدر: تأملات في النبي والنبوات – أديب أبراهيم الدباغ