فيلسوف دينماركي ينحدر من عائلة فقيرة جدآ، ترك مدينته في الثانية عشر من عمره حافيآ ليشتغل مع خاله في التجارة، وعندما بلغ 24 من عمره فتح محلا خاصآ لبيع الاقمشة وصار من اثرياء المنطقة.

كان عمره 41 سنة عندما باع المحل وتفرغ لدارسة الفلسفة والدين، وهنا اتوقف لاذكر سؤال وردني عبر المدونة:

يقول: تلك القراءات في الفلسفة لا أرى فيها ربطاً بذلك التحيز للدين؟

قلت: اختصر بأيجاز وقد تستغرب رأيي ولكن يبقى مجرد رأي خاص بي:

الفلسفة والدين وجهان لعملة واحدة.

اذا تعمقت في الاثنين ستجد ان كليهما يدور نفس نحو المحاور .. الذات الالهية، الكون، الخلود، الطبيعة، الاخلاق، الضمير، العقل، الادراك، الحواس، التجربة، الخير والشر

في عالمنا العربي هناك اشياء لاتعد ولاتحصى من المفاهيم العقيمة والحقائق المغلوطة .. ليس جميع الفلاسفة ملحدين ومن يقول ذلك فهو جاهل والفلسفة لاتتناقض ابدآ مع الدين انما تدعو “الانسان” الى المعرفة والادراك أملا في الوصول الى الحقيقة التي ترضى النفس والروح.

وأضيف الى جوابي اعلاه ان الوعي المطلق يتشكل في الفن والدين والفلسفة، وتمثل الاخيرة الشكل الاكثر سموآ للعقل.

نرجع الى فلسفة كيركيغارد.

يضع الفرد في محور اهتمامته، اي ان الانسان لايمكن ان يعي وجوده من دون اكتشاف علاقته الخاصة بنفسه.

أن الحقيقة ذاتية اي ان الاراء ليست كلها متساوية ماعدا التي هي شخصية ذاتيه تلك التي ينطبق عليها ماهو “حقيقة لي”.

يصنف كيركيغارد الوجود الى ثلاثة مراحل: المرحلة الجمالية، والمرحلة الاخلاقية، والمرحلة الدينية.

يظل الكثير من الناس في نفس المرحلة طوال حياتهم في حين يجتاز البعض الاخر المرحلتين الاوليتين الى المرحلة الثالثة.

اما المرحلة الجمالية فهي التي يعيش فيها الفرد اللحظة ويبحث في كل دقيقة عن متعة ويرى الخير في كل ما هو جميل وممتع، ومن هذه الزاوية فأنه يعيش دائمآ في عالم الحواس رافضآ كل ماهو مضجر او مخيف.

ولكن الذي يعيش هذه المرحلة فقط، يداهمه القلق والفراغ بسرعة، وهو شيء ايجابي نوعآ ما حيث ان القلق يعبر عن كوننا في مرحلة وجودية على ان يؤدي هذا القلق الى اختيار قفزة كبرى تنقله الى مرحلة اخرى وهي ما نسميه “بالمباردة” التي لايستطيع احد ان يتخذها بدلا منك.

ويذكرنا هذا بسقراط الذي كان يقول ان كل وعي حقيقي يأتي من الداخل مع الخيار الذي يدفع الانسان للعبور من المرحلة الجمالية الى الاخلاقية، ومن ثم اتخاذ موقف ديني .. من الداخل.

وهذا بالضبط ما جسده الكاتب الروسي دوستويوفسكي في روايته المشهورة الجريمة والعقاب.

اما المرحلة الاخلاقية، فهي مرحلة مشبعة بالجاذبية يعيش الفرد فيها وفق معايير اخلاقية تذكرنا ب “كانت” الذي كان يدعو الى اتباع القانون الاخلاقي الكامن في داخلنا.

يتوجه كيركيغارد مثل كانت فيقول: ليس المهم ان نعرف ماهو صح وماهو خطأ فحسب وانما ان نختار ونتصرف على اساس هذه المعرفة ووفق هذا التمييز.

في حين ان متذوق الجمال لايهتم الا بمعرفة ماهو ممتع ومسل بعيدآ عن كل ماهو ممل.

ولذلك كان يرى كيركيغارد ان المرحلة الاخلاقية غير كافية اذ ان الفرد سيمل في النهاية من الانتباه المستمر للواجب، وعدم انتهاك القواعد الحياتية التي وضعها لنفسه، فيتراجع بعض من الناس الى المرحلة الجمالية، بينما يتجاوز اخرون المرحلة الاخلاقية الى المرحلة الاخيرة.

المرحلة الدينية وهي القفز بجرأة الى اعماق الايمان، مفضلين الايمان على متع الحواس واتمام الواجب الذي يمليه العقل.

حتى لو بدا مرعبآ “أن نقع احياء بين يدي الله” بحسب تعبير كيركيغارد، فأن الانسان يجد بذلك التصالح المأمول مع نفسه.

من اقواله:

بإمكاننا أن نفهم الحياة إذا تطلعنا إلى الوراء .. لكننا لا نستطيع أن نحيا إلاّ إذا تطلعنا إلى الأمام.

الحب المثالي يعني أن يحب المرء من بسببه أضحى تعيساً.

أن اوربا كلها تتجه ببطء نحو الافلاس.