لو درست علم الانسان وبقيت ابحث في هذه المعرفة ماحييت، لم اكن لاستطيع أن اعرف كنهه او اقترب ولو قليلا الى حقيقته .. اول شئ رأيته عندما كتبت لي الحياة وآخر شيء سوف أراه عندما اغادرها، وبين الموعدين فأن حياتي عباره عن لوحة عريضة ترسمها وجوه واشكال واجناس والوان من بني جنسك .. ايها الانسان.

لم يمر احدٍ بدون ان يترك بصمة او اثر، فقد خُلقت لتّكون أحداث حياتي من خلال علاقتي المباشرة والغير مباشرة بك، أتلمسها في تربيتي وتعليمي وشخصيتي وميولي ومواهبي وأعمالي، ولااستطيع حقيقة ان اعزو امرٍ مطلق الى نفسي لايكون لك دخل فيه ايها الانسان.

ومع ذلك بقيت لغزآ محيرآ وكائنآ يشبه السراب كلما أقتربت منه صار وهمآ وخيال.

فشلت كل القواعد والفرضيات التي وضعها العلماء واستخلصتها من تجارب الحياة لاحصل على هذا المعرفة وانجح في السيطرة على التعامل مع بني الانسان ..

أقف بأجلال واشفاق واستغراب واستنكار من ضعفك بالرغم من سلطانك الذي تتظاهر به .. وألمك العميق وقد تكالبت الدنيا عليك، فلم تُخلق الا لتُمتحن وتعيش في كبد .. فهل تتوقع أن اصدق قهقهاتك ولو ملأت الدنيا ضحكآ .. وخوفك الذي يثير الامآ موجعة في معدتك من مجهول ومعلوم يداهمك بلا موعد ولا شفقة .. وفرحك عندما تغلب وانت مغلوب في اكثر الاحيان .. وتوترك في اي امتحان حتى لو تعرضت لاقل جوع أو أبلغ مكيدة .. وأستسلامك مهما أعترضت وتمردت، فلن تلبث ان تتعب وترضى بالقدر رغمآ عنك .. وأحلامك التي تزين لك طموحك وأنجازاتك وكأنك باق مدى الدهر.

ونفسك .. عندما تقرر ان تغلق الابواب وتهرب ممن حولك وتتلذذ بعزلة أغرتك بالامان وراحة البال .. فينقلب عليك هذا البال ويملأ رأسك ودنياك بأطياف وهذيان لاينتهي .. تدفعها بقوة بكلتا يديك وتصرخ بهم ان يرحلوا عنك، ثم تتظاهر بالنوم لتهرب .. ولكن الى اين تفّر وهو يعيش بداخلك بعد ان تصورت انك غلبت العالم ونسيت اهم من فيه .. نفسك.

تتوالى عليك الفصول والاقدار وتراك فوق سفينة متواضعة تصارع بحرآ لايكنّ ولايهدأ.

واقسى هذه الفصول واكثرها أثرآ في حياتك هي طفولتك – وان كانت تعيسة – !! فأنك لن تستشعر مرارتها الا بعد ان تغادر الطفولة وتبدأ برحلة الادراك والفهم في الحياة.

فأي أمر كان صغير ام حقير يفرحك ويشرح قلبك الصغير ايها الطفل الوديع .. لانك ببساطة لاتعيش الماضي ولا ترى المستقبل .. ولاتأبه الا بما بين يديك.

تبتهج بصدق وعمق لضمة من أمك، او لمسة حنان على رأسك، او حلوى صغيرة، او مغامرة شقية، او ثوب جديد، او أغنية تجعل الحياة بألوان قوس قزح .. وما اعجب قدرتك على نسيان الالم والاذى وكأنها ليست في قاموس حياتك.

نقي .. برئ .. وطاهر .. بديع في كل حركاتك العفوية وكلامك الصادق وحنانك العذب و طاقتك التي لايغلبها الا النعس والتعب.

اي مخلوق انت ايها الصغير .. لو اني رأيت ملاكآ وألفته، لقلت انك الأجمل والأروع.

ثم لاتلبث وبدون سابق انذار أن تودع كل هذا وكأنه لم يكن، لاتراه الا في الالبومات او شرائط التسجيل وانت تنظر بزهو وفرح الى ذلك المخلوق الذي هو انت، وتتمنى لو تستطيع ان تمسك بثانية واحده من ذلك الحلم .. كما كنت تصطاد الفراشات الجميلة لتهبها الحرية مره ثانية بفخر وسرور.

وما ان تعبر بوابة الحياة ويهنئك الناس على بلوغك وفتوتك حتى تبدأ الرحلة. بحلوها ومرها .. بنعيمها وشقائها .. بماضيها ومستقبلها .. ونادرآ ماتذكر حاضرها!..

ويبدأ السباق .. وتدخل حلبة التنافس .. ثم لاتلبث ان تحترف الوحشية ونسب متفاوته من الرذائل على حسب غنائمك ورغبتك الجامحة في الفوز .. وان كان دنيويآ وأغلبه كذلك .. وان كان على حساب شرفك وضميرك .. وان كان جسرآ لأجساد غيرك كان عليك ان تسحقهم لكي تعبر انت .. وتفوز!..

وتظل هذه الرغبات تقودك كما تقاد النعجة، لاتجد لنفسك خلاصآ كلما قاومت واحده ظهرت لك عشرة، وانت بين مدّ وجزر وارتفاع وهبوط وخيال وحقيقة تنسى ماتريد والى اين المصير وكيف السبيل الى حياة وادعة تشبه حياة ذلك الطفل الذي عشته.

ثم يختفي هذا الجبروت وتزول هذه القوة بأبسط مرض وعلة تصارع فيها الوان من الالام والاوجاع، فينكسر سلطانك وتهدأ نفسك وتحتد بصيرتك وترجع قريبآ لفطرتك.. لفترة مؤقته – طالت ام قصرت -.

ثم يكون ذلك اللقاء الرهيب والموعد الذي كنت تتحاشاه وترتعد منه لتقف وجه بوجه مع الموت .. وانت اخرس، مذهول، وفيك الم لايعرفه الا انت!..

وليتها تكون النهاية ..

عليك الانتظار طويلا .. في مكان لااستطيع ان اكتب عنه ولاادري بأي حال تكون!..

وليتها ايضآ النهاية ..

أنها نهايتك يااخ الانسانية ولكنها بداية حياة اخرى ستقف فيها في اشد وأصعب موقف عرفته الكائنات الحية .. في حساب شديد لكل مانقشته وسطرته في دفاترك القديمة او بالاحرى “استنسخته”، لانك لن تستطيع ان تسهو حرفآ واحدآ في النسخ!!!…

ويبقى هذا الحلم الذي لاتنتهي صلاحيته الى اخر رمق .. بالخلاص من كل تلك الاهوال والنجاة من الهلاك …… والفوز.

وهذه المرة لن تخدع ولن تضل ولن يكون سرابآ .. انه فوز حقيقي.

ليس لجماله ورونقه وبهائه مثيل.

لأول مرة في حياتك ستعيش بسلام ايها الانسان …

قرير العين، نظر الوجه، جميل المحيا، سليم الصدر، نقي من كل عيب.

ولأول مرة في حياتك ستلقي رب الاكوان والكائنات والجمال المطلق.

أهنئك من اعماق قلبي ان استطعت ان تصل البر بأمان وسلام .. فأن لم أكن معك …. فبلغ خالقي عظيم حبي ومحبتي وكل ما في الدنيا من تفسير للحب .. قد غمر قلبي وقَلب كياني .. ولكن لم تسعفني اعمالي لأنّعم معك.

سيرة أنسان – فيديو