سمارا نوري

وعدتكم بأدراج العادات التي أصبحت منهاجآ شبه ثابت وأرادي في حياتي بسبب تغيير نمط أفكاري والسيطرة على نوعيتها والتعامل معها بالاسلوب الذي يدعم هذه العادات بشكل أيجابي وصحي.

الترتيب لايدل على أولويتها، فلكل واحدة منها نفس الاهمية والضرورة وقد أصبحت جميعها فيما بعد الدعائم الفولاذية لارساخ هيكلي الانساني ومكملة لبعضها لتحديد نمط الحياة الذي يعجبني.

مع حبي الشديد للتخطيط والنظام والالتزام الا أن الصورة لم تكن مكتملة وواضحة عن النمط الذي أريد أختياره بحرية لحياتي، لكنها بالتأكيد كانت أعظم أدواتي لبناء جديد.

بعض الناس تحب أتباع المألوف والتشبه بالاغلبية، فأذا كان معظم الناس يتبع أسلوب حياة معين بأملاءات من المجتمع والاعلام والمرئيات والعالم الغربي والعولمة العشوائية، فأني أحب أن أعاكس المألوف ببصمة خاصة فيها من كل الثقافات والعادات، الشرقية والغربية حسب ما يلائم أهتماماتي ويتناسب وهويتي وبالتالي يكون عونآ لي لتحقيق أهدافي وطموحي.

نحن مثل كل الكائنات نأكل وننام ولكن لهدف وغاية، فأن كان لنوع الطعام وأوقات النوم أبلغ الاثر على الحياة الصحية والفكرية والنفسية، فكيف بالافكار اليومية التي تولد وتتكرر وتتزاحم بداخلنا بلا توقف وحتى خلال ساعات النوم.

لم يكن قرار أعادة هندسة وتصميم عاداتي مفاجئآ او سريعآ، أنما أستجابة للنداء الذي كان يستغيث بداخلي في التوقف لبرهة وأعادة النظر والتأهيل لتحرير روحي من سجن الجسد والافكار والمجتمع.

اليكم موجز لهذه العادات وطريقة تغييرها بشكل ملخص وسريع.

الاصدقاء
غالبآ ما تبدأ الصداقة بشكل عشوائي وبدون أنتقاء ولكن في مرحلة معينة وبعد تجارب الحياة وفهم غايتها يجب نسف خارطة الاصدقاء وتحديد ستراتيجية جديدة.

أنا بطبيعتي أجتماعية جدآ وأحب الناس ولا أجد أي حرج او حاجز في التواصل مع البشر بسهولة ومودة وعلاقة طيبة، بسبب طبعي هذا فقد أصبح لي قاعدة عريضة من الاصحاب والاصدقاء لها أول وليس لها آخر. كنت أحسب بأن العلاقات الاجتماعية هي قمة السعادة والمرح في الحياة، لكنها في الحقيقة التزامات كثيرة تصل الى درجة التشتت والارهاق، والاخطر هو التأثير الفكري والنفسي الذي ينتقل بشكل غير ملموس وسريع من الاشخاص اللذين تختلط معهم بشكل روتيني ودائم.

لذلك كان القرار بتصنيف دائرة الاصدقاء وتضييقها لما لها من تأثير فعال ومهم للغاية في طريقة التفكير وأسلوب الحياة اليومية، قد يكون هناك العشرات من الاصدقاء والاصحاب ولكن التواصل عن قرب دائم لن يكون الا مع نخبة معينة.

تلك النخبة لها أثر عميق في رفعي الى المستوى الذي أطمح اليه وأسعى لتحقيقه، بدونهم الطريق موحش ومع غيرهم الطريق خطأ.

الطعام
اللجوء الى الطعام في أوقات الضجر او الملل او عند الشعور بالاكتئاب عادة تكاد تكون عامة عند الكثير.

أبتدأ التغيير من قائمة التسوق الاسبوعية التي بدورها أحدثت تغييرآ هائلا في محتويات الثلاجة ودولاب الاطعمة في المطبخ مما ساعد بشكل جدي سرعان ما أصبح لاأرادي فيما بعد في أحداث أنقلاب جذري في نظام الغذاء اليومي ونوعيته وكميته وأوقاته في البيت وخارج البيت ايضآ.

لاأنكر فضل بعض البرامج التلفزيونية التي أحب متابعتها بين فترة وأخرى.
The Doctors, Dr. Öz, Oprah

العصبية والمزاج المتقلب
لفترة طويلة كنت أؤمن بأن العصبية طبع من الاطباع التي أبتليت بها ولاخيار لي بتغييرها، لكنها عصبية من نوع مختلف تظهر بشكل مزاج متقلب وتوتر سببه ضغوطات الحياة وتقلباتها المستمرة والمفاجئة والتفكير المستمر الناتج بسببها.

كان أمامي طريقين لايقاف عجلة التفكير وسرعتها الهائلة داخل منظومة رأسي والتي تجعلني في حالة توتر وتقلب مستمرة.

1- أما أن ينفجر رأسي وأنعم بالسلام الابدي.

2- او أن أتحكم أراديآ بعقلي لايقاف هذه الافكار ولو بنسبة بسيطة.

كان هذا مدخلي الى اليوغا، تعودت منذ الصغر على مزاولة مختلف الرياضات ولكن أبدأ لم أعرف اليوغا.

بدأت بممارستها بأنتظام شبه جبري فقط لكي أستمر، وكنت ألاحظ تغييرآ ذهنيآ ونفسيآ ملحوظآ في كل مرة مما شجعني على الاستمرار بالرغم من ضيق الوقت والتعب.

طبعا لم يقتصر الامر على اليوغا فحسب، ولكنها ساعدتني بشكل مذهل على تنظيم أفكاري وردود أفعالي وأعادة أنسيابها عن طريق التمرين والتركيز والوعي الحاضر والجهد المستمر، مما أدى الى أكتساب وأتقان مهارات مهمة مثل الصبر والهدوء والتأمل والادراك والانتقاء والحب الغير مشروط.

الاحباط والشتات
بدأت هذه المفردات تتعاظم في آخر سنوات الجامعة حتى وصلت الى أعظم مستوياتها بأشهر قليلة قبل التخرج بعد أحداث صعبة مررت بها في حياتي.

مع الوقت بدأت هذه المصائب تتضاءل بحجمها ولكن الشعور بالضياع والخوف والقلق وعدم الثقة كانت تتصاعد وتتعاظم.

لاأريد أن أذكر كلمة صدفة هنا لاني لا أؤمن نهائيآ بالصدف، فكل شيء مقدر ومرتب بشكل متناغم ودقيق.

لكنها سنة الحياة التي لايبزغ فجر فيها ولاترتفع شمس الا بعد ظلام حالك ومعتم.

تلك الحالة من الاضطراب النفسي والشتات الفكري كانت بداية الرجوع الى نفسي في اللحظة التي بدأت أتعرف لاول مرة في حياتي على خالقي خلال رحلة روحانية عجيبة، فقد وقعت في حب من خلقني بشكل يصعب وصفه او ترجمته، قّلبت كياني وغيرت أطباعي، حتى يتهيأ لي بأني أكتسبت ملامح جديدة بعد تلك الولادة، كتبت عنها سابقآ في مدونة سابقة بعنوان ميلاد آخر.

كان تغييرآ كاسحآ وتحولا مذهلا لي وكل من يعرفني، تغييرآ لم يبق شيء ولم يذر من أطباع وسلوك وحيرة وأضطراب وعتمة تحولت بالتدريح الى نور وهدوء لذيذ.

أصبح هذا التغيير أسلوب حياتي الجديد، بدا كل شيء مترابط بشكل لايقبل القسمة على أثنين او الانفصال، كل شيء متوحد بشكل مثير للعجب والاهتمام، لم أصدق أني عثرث عليه او أني حقيقة أعيش فيه وكنت في حالة وعي حاد بما يجري حولي، أخاف حتى من النوم لئلا ينفلت من بين أصابعي وترجع مخاوفي.

طبعآ لم تأت هذه المعرفة من العدم او على غرة، كان لها مقدمات سرعان ما تحولت الى نضال يومي وأصرار على التعمق وأغتراف المزيد، لم أكتف ابدأ ولكني أستطيع أن أقول وبثقة بأني وصلت لمرحلة شعرت بأني مخلوق رباني بالكاد ألمس الارض، أحلق بخفة في فضاء واسع، وأرى المخلوقات صغيرة ومسالمة تحتي، ليس تكبرآ ولا تعاليآ ولكن فرحآ وثقة وثبات.

الكومبيوتر
لم أتعلق يومآ بمواقع الاتصال الاجتماعي او الشات او أي شيء من هذا القبيل، كنت دومآ بعيدة وليس لي أي تواجد على صفحاتها ولا أعترف نهائيآ بوظيفتها الاجتماعية كما يُطلق عليها!!.

لكن عندما يكون الكومبيوتر مهنتي وأختصاص عملي اليومي فأنه ينقلب بسهولة الى أدمان يصعب أيقافه والتعامل معه مع ضرورة متطلبات العمل وسرعة المعلومات التقنية.

كان القرار نهائيآ بلا رجعة بالابتعاد عن الكومبيوتر بعد الدوام وأيام العطل الا عند الطواريء، وأبدالها بالرياضة والقراءة بعد أن أصبح الخيار حديآ بين حياتي الخاصة وحياتي العملية.

لم تخرب الدنيا ولم يتوقف مسار العمل، بالعكس كان قرار البعد في صالح العمل أكثر منه لمصلحتي الشخصية، أصبحت أستمتع بعملي ووظيفتي ولاأشعر بأنها عبأ ثقيل وأجهاد لاينتهي كما أعتدت سابقآ.

الانعزال والصمت
من أسوء عادتي وأشدها ألمآ، ففي الوقت الذي أبلغ فيه أشد الحالات ضيقآ، أنكمش على نفسي وألتزم صمتآ مرعبآ وأؤثر الانعزال.

عادة لايجرأ أحد على الاقتراب مني عندما أكون بهذه الحالة لاني ببساطة أكون أقرب الى قنبلة موقوته قابلة للانفجار.

أدراكي لحالتي هذه وبعد معرفتي وقربي من الله جعلتني أحاسب نفسي بقسوة وأعيد تدريجيآ برمجة سلوكي.

بدأت أخرج من هذه الحالة بمساعدة قلمي ونقل الملفات التي تعكر مزاجي الى مسودات بيضاء وكانت هذه الطريقة بمثابة فسحة صغيرة لمراجعة أفكاري والنظر اليها عن قرب وتركيز.

بعض هذه الملفات تترجم الى مدونة، وبعضها يستقر في قاع سلة المهملات.

عادة تعيد اليّ هذه المحاولة بعضآ من توازني وتجعلني قادرة تدريجيآ على أن أخرج من صمتي بذهن أنقى وقدرة على التواصل والرجوع مرة ثانية الى حالتي الطبيعية.

المسألة أذن تتلخص كالاتي، مبادرة ثم أدراك ثم خطوة تالية لتحويل هذا الادراك الى فعل ومبادرة حقيقية.

نحن كائنات روحانية مصممة بأمكانيات هائلة وقدرات جبارة، ماعلينا سواء التعرف على هذه الروح عن كثب وقرب شديد وأستكشاف قدراتها وطاقاتها ثم البدء بتسخيرها وقيادتها للاستمتاع بها.

ولن أقتنع بأي شكل من الاشكال بأي شخص يدعي انه لايمكنه تغيير عادة او سلوك، وأقول له عن قناعة تامة وتجربة أنت لست صادقآ في محاولتك او جاهلا بأمكانياتك.