كلنا يتحدث عن النجاح والطموح والتطوير والقيادة، كلها بالتأكيد أدوات فعالة لصناعة الانسان وخلق نموذج متميز أن كان الفرد جادآ في أعادة خارطة حياته الفكرية والنفسية والوجدانية.

لكن قليل من يقرر المبادرة ويدخل السباق ويقبل التحدي ويسعى الى تحقيق الهدف.

غالبآ ما يحصل بعد أن يجتاز الانسان مرحلة عمرية متقدمة يستطيع أن يمحص من خلالها حياته ويلقي نظرة قريبة على مكنوناته.

قد تكون بعد الدارسة الجامعية او بعد أشواط من الفترة المهنية او بعد حادث او تجربة حياتية او التأثر بشخصية قيادية، وقد لاتحدث ابدآ!.

يأتي الانسان على غير أختيار الى هذه البسيطة، يعيش ويغادر بنفس المفاهيم التي غالبآ مايكتسبها من البيت والمدرسة والاقرباء والجامعة والعمل والعلاقات الاجتماعية والمحيط، جميعها مصطلحات أنشائية مسلّم بها ، دورها ضئيل مهما عظمت في صناعته.

في الدول المتقدمة تسعى الانظمة الى أرساخ القيم والقواعد لبناء الانسان حتى قبل مجيئه، وفي الدول المتأخرة فأنها قد تسعى الى البناء والعمران وأنفاق المليارات لبناء مدن عصرية ومنتجعات سياحية، ولكن يبقى فيها الانسان مهمشآ، سطحيآ لايعي من حياته الا القليل الذي يجرده من معانيه الحقيقية.

يتزوج ويفخر بعدد أولاده، ثم يدفع الغالي والنفيس لكي يبلغ أبنائه أحدى كليات القمة ونيل أعظم الشهادات والحصول على أعلى المراكز، وليس لديه أدنى معرفة بفكره وعقله وروحه.

الشهادة والمال والمركز والشهرة وكل متع الحياة أنما هي وسائل تحدد نمط حياة الانسان ولكنها ابدآ لن تصنعه.

فكم من عالم جاهل .. ومثقف ضال .. ومشهور فاسق.

يقول مالك بن نبي: فإن التخلف أمر عقلي بحت ولا يزول ولو أمطرت السماء ذهبا وفضة.

كثيرآ ما تسائلت في كثير من الاحيان التي كنت أشهدها في بعض المواقف الحياتية بين الاباء والابناء، ترى من يربي من؟

طفلة صغيرة ترفض بأصرار أن تتناول أي طعام سوى ماتريد وغالبآ مايكون سيئآ فتركض الام ملبية!

وأخرى تصرخ تريد آيس كريم، ضاربة بعرض الحائط الوقت والمكان والظروف فلا يجد الوالدين سبيلآ لتربيتها الا تنفيذ رغبتها!!.

فتاة في مطلع العمر قد أرتسم وجهها بأنواع من الاصباغ والالوان وكأنها في حفلة سيرك، تعلل أمها بسذاجة بأنها تحب المكياج !!.

ومارأيك بطفل صغير يجلس في حضن ابيه وهو يقود السيارة!!.

او يجلس مكان أمه في المقعد الامامي ليكتسب معاني الرجولة الشرقية الباهتة!.

وغيرها الكثير من الشواهد اليومية التي لاتخفى على أحد، في جميع المناسبات والاسواق والاماكن العامة والمساجد، وفي كل مكان.

تبدأ هذه الصناعة من السنوات الاولى من عمر الانسان، عندما يتم بناء نظام محكم في البيت لأرساء قواعد السلوك وتدريب النفس على الانضباط، وتتناغم المدرسة والبيئة مع البيت بتثبيت القيم والاخلاق الحسنة التي تضمن أنتاج بشري صالح للمجتمع.

محبة الاولاد فطرية وتربيتهم بشكل عشوائي ومنفلت أساءة بالغة قد تمتد جذورها مدى الحياة وتعيق الانسان أن يعيش سويآ لانها تحوله الى أنسان أناني، لايهتم بالأخرين ولايتحمل المسؤولية ولايحترم النظام ولا حتى أبويه اللذين أسرفا في تدليله ،ومثلها العنف والقسوة فأنها تهدم الانسان وتنتج شخصآ مضطربآ ذهنيآ ونفسيآ.

النظام، أساس الحياة وسبب تقدم الامم، الكون كله يسير بنظام.

فهمتها كثير من الشعوب والامم وصارت في مصاف الدول المتقدمة، وأهملتها وأعتبرتها قيودآ ومثالية الشعوب المتأخرة.

أنها منظومة متكاملة لاتقبل التجزئة او الاختيار، أن صح تطبيقها وممارستها فستظهر علاماتها في كل نواحي الحياة من البيت الى المرافق العامة وحتى المؤسسات الحكومية والادارية، لتعطي سمة واضحه عن ذلك المجتع او تلك الدولة.

يقال أن الشوارع العامة تعطيك نبذة مختصرة عن البلد وثقافة أهله، فهي تعكس وعي الافراد ودرجة أنظباطهم الذاتي وأحترامهم للقانون والاخرين.

ليس لتربية الانسان مدة صلاحية معينة فهي نافذة حتى آخر العمر.

ودور الاهل والمجتمع محدود لايتعدى تسليمك مفتاحآ تستطيع به أن تفتح كل الابواب والافاق وتعيد صياغة كل المفاهيم والمعتقدات بموضوعيه وحكمة ونظرة شاملة تنبع من بحثك عن الحقيقة ومسؤليتك في أعتناقها والدفاع عنها.

أنها برمجة عقلية وبداية لولادة أنسان جديد هو أنت.

يقول بهاء طاهر: “كل أنسان يصنع نفسه وفي الغالب يصنع نفسه ضد ماضيه”.

ويقول رب العزة “بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون، وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”.

لو لم نتبعهم لادركنا المتقدمين وصرنا منهم.

لم تتبع دول الغرب الاسلام ولكنها أعتنقت نظامه الذي أمر الله به الناس في كل الاديان والشرائع.

ونحن نحتاج بشدة الى دراسة جدية وفهم عميق ومنفتح لنظام الدين الذي أعتنقناه والرسالة التي آمنا بها، بدونها نكون قد عطلنا أقدس كتاب وضيعنا على أنفسنا والعالم فرصة النجاة وعمارة الارض باسلوب رباني لايصح سواه.

مهما كانت الظروف حولك والبيئة التي تحيط بك فأنها لن تعيقك من صنع نفسك.

أرسمها كما تشاء واستخدم أجمل الاصباغ في تلوينها وستبهرك اللوحة التي صنعتها لنفسك.

القلم صار بيدك الان لتكتب بقية فصول حياتك وتزينها بلمساتك التي هي أنت.