بدأت ظاهرة اللاجدوى تطفو على السطح وتنتشر بين فئات عديدة من المجتمع بالاخص فئة الشباب الذي يبدو وكأنه فقد توازنه الطبيعي وثقته بجميع الثوابت في خضم الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم بشكل عام والبلاد العربية بشكل خاص.

اللاجدوى أحدى تلك المصطلحات الناتجة من حالة يأس واصطدام مرير بأرض الواقع.

فهي إذن موقف من المواقف التي لها يتعرض لها الانسان بعد حالة او عدة حالات متكررة من الاحباط تجعله يشك في جدوى الحياة ومدى مصداقيتها.

المعروف أن كل شخص يتعرض على مدار اليوم أو الأسبوع أو العام إلى تغيرات تؤثر في وضعه المعنوي، وهذه التغيرات ظاهرة طبيعية تحصل نتيجة تصادم دائم بين العوامل الكامنة في داخل كل شخص والعوامل الخارجية التي تتبدل باستمرار.

في البداية يعاني الشخص من إحساس ضاغط باللاجدوى وينتابه شعور بأنه غير مفيد كما تتزعزع ثقته بنفسه وبالآخرين ومع مرور الوقت يقود الإحساس باللاجدوى وعدم الفائدة الى الهوس الذي يجعله ينطوي على نفسه فيبكي بصمت ويعاني من آلام نفسية لا تطاق وفوق كل هذا يرتسم في ذهنه شعور بأن لا شيء ولا أحد يستطيع مد يد العون له لإنقاذه من محنته وهذا ما يزيد من آلامه.

وعبثاً يحاول الآخرون مساعدته للخروج من محنته لأنه يتولد لديه قناعة في أنهم لا يملكون القدرة على ذلك بل انه يسعى جاهداً في إيجاد الحجج لإيقاف محاولاتهم وأن لا جدوى من ورائها.

وشيئاً فشيئاً يتوقف هذا الانسان عن العناية بنفسه وعن القيام بأي نشاط ويدعي بأنه غير مفيد وفي ما بعد يهمل طعامه ويبقى حبيس الفراش وهنا يبدأ مشوار الانقطاع عن المحيطين به الذين لا يفقهون شيئاً مما يدور في تضاريس مخه من أفكار فيتأثرون ويرتبكون ولا يعرفون ماذا يفعلون.

هناك حالتين في اللاجدى، الاولى عندما تصبح اللاجدوى من الواقع يأسآ فهي خيبة ولكن عندما تصبح أملآ ووعدآ في شيء آخر فهي ليست كذلك.

مثال على ذلك أن الانسان لايستطيع أن يدرك الله بالحواس والقياس ولاجدوى في محاولة الوصول الى ذلك، بعضهم أعتبر ذلك اعجازآ الهيآ وآمن بالله والغيب بالرغم من صعوبة واستحالة أدراكه، فيما أسقط البعض الاخر الايمان من حسابه وصار ملحداً.

ويبقى الموت اكبر النهايات التي تسد الطريق عن جدوى الحياة والشعور باللاجدوى، بالاضافة الى مفارقات الحياة العجيبة من انتحار الفضيلة وتفوق الفاشلين وغياب العدل وكثرة المظلومين التي جعلت اللاجدوى امرآ معقولآ وقائمآ.

ولاشيء غير نور الايمان وخُلق الدين يستطيع أن يحارب إحساس اللاجدوى بشكل فعال وأيجابي.

أن لله حكمة لاتدركها عقولنا، علينا أن لاننسى ذلك ابدآ فيصيبنا الغرور وننطلق وكأننا قادرين على فهم لغز الحياة وتناقضاتها الحادة، ليس ذلك الا تبجحآ والحاحآ لا ضير ولا فائدة منه.

اليقين بأننا لسنا في غابة عشوائية، وأن للكون مدبرآ لاينام ولا يسهو ولا يغفل، وأن ليس للانسان الا ماسعى وإن سعيه سوف يرى، كفيلة بأن تجعل الحياة ذات جدوى عظيمة للعيش بطمأنينة وثقة رغمآ عن كل خيبة او ألم او خسارة.

علينا أن نكون اكثر حذراً في التعامل مع اللاجدوى، وطوبى لمن أستطاع أن يحول كل إحساس باللاجدوى الى طريقة للبحث عن جدوى جديدة.

هناك علاقة واضحة بين الاحساس باللاجدوى والذكاء الانساني فالانسان الذكي يكتشف نزق الحياة وينفر من مفارقاتها فيشعر باللاجدوى.

أن الاحساس باللاجدوى عذاب انساني شديد ولا يتعذب في الحياة الا الشخص الذكي والعميق بأحساسه وفكره ولذلك عليه أن ينتبه الى خطورة أحساسه والتفكير “بلاجدوى” حياته لانه ليس من صمم وخلق هذه الحياة أنما عليه قيادتها يأمان ومتعة فحسب.

فهو قائد وليس مصمم.

الحياة مثل الحب، إنما هي الحب كله واساسها العطاء.

الانسان الرفيع يعطي بلا حدود بدون أن يجعل لعطاءه طموح ذاتي او هدف شخصي ويكفيه شرفآ وفخرآ أنه ناضل وأستبسل من أجل الحرية والعدل والاحسان وإن عجز عن تحقيقها كما ينبغي ويتمنى وأنه لم يتنازل عنها في مبادئه وقيمه الحياتية، وأن له معجبين ومحبين وأتباع لايعرفهم ولايلتقي بهم ولا يعبرون له برسائل إعجاب ولكنهم موجودين دائمآ حوله وإن حالت معرفته من رؤيتهم والتعرف اليهم.