نحن مخلوقات أجتماعية خُلقنا من أجل التواصل وبناء علاقات أنسانية لا حصر لها بمختلف المراحل على مدى الحياة.

بعضنا ينغمر في علاقات وصداقات ومعارف كثيرة في عددها سطحية في محتواها ونوعيتها.

والبعض الآخر يفضل تقنين تلك الخاصية المبنية بأحكام داخل أروقة أنظمتنا ولا سبيل للعيش بدونها، فلابد من بعض العلاقات الصحية التي تعين على تطور الانسان بشكل طبيعي وسليم.

وبما أننا مصممين ببراعة مذهلة ومعقدة فأننا نشترك بنفس الهيكل البيولوجي العام ولكننا نختلف أختلافآ حادآ بطبعائنا وميولنا وأتجاهاتنا الفكرية والوجدانية التي تلعب القدرة الالهية دورآ معجرآ في بناءها ويتولى الباقي البيئة المناخية والظروف الاجتماعية التي ننشأ فيها بلا خيار وليس أمامنا الا التعايش معها والانتماء اليها.

ولكن ليس الى الابد ..

فأننا غالبآ ما ندرك الكثير من الوقائع ونتعلم في الحياة ما تعجز الجامعات والكتب عن تقديمه، حتى نصبح أكثر حذرآ وأدق أختيارآ في بناء علاقاتنا التي لاتتوقف الا بأنتهاء الحياة.

أننا قد نصبح على درجة من المعرفة والوعي ما نستطيع أن نلفظ به كل ما ألصقته بنا مجتمعاتنا من عادات وعاهات تحتاج الى أعادة برمجة وتأهيل لانها ببساطة لم تعد مقبولة كما تعودنا أن نراها عندما كنا صغارآ.

الانسان كائن متغير وقابل للتطور بشكل عجيب، وكل ذلك يتمدد وينبع من العقل الذي لاحدود لامكانياته وقدراته على رفع الانسان الى مستويات خارقة وغاية في الجمال.

وعلى قدر تلك الامكانيات والقدرات نستطيع أن نرسم لعلاقاتنا مع الآخرين ملامح وصفات تتوافق مع شخصياتنا وأهتماماتنا.

ولذلك يقال في الادبيات: قل لي من تصاحب أقل لك من أنت

ويقال في الشعر: من خالط العطار نال من طيبه ومن خالط الحداد نال السوائدا

ويقال في علم الاجتماع ونظريات التواصل: أي مجتمع تعيش فيه فإنك لا محالة مؤثر ومتأثر

أننا في أحيان كثيرة نرتكب أخطاءآ فادحة في حق أنفسنا في الاستمرار بعلاقات مدمرة تقطر السم في أوردتنا، بأدراك او بدون أدراك حتى قد تستمر تلك العلاقات سنين وأعوام طويلة يكون لها أضرارآ سيئة قد تكون مستديمة غير قابلة للعلاج والاصلاح مثل ندبة مشوهة أثر جرح عميق.

وعندما أتحدث عن العلاقات فأني لا أشير بالتحديد الى العلاقات العاطفية والأجتماعية فحسب، فأن أقرب الاهل والاقرباء يمكن أن يكون لهم أسوء الاثر أن لم نتدارك الامر ونضع أستراتيجية ملائمة في التعامل مع هؤلاء الافراد، فمثلما هناك أبناء عاقين هناك أيضآ آباء وأقرباء أكثر عقوقآ وهناك أصحاب وأزواج وزملاء وبشر يملئهم الشر وينضحون حقدآ وكراهية ويجتمعون في أمر واحد وهو جعل حياتك صورة مصغرة من الجحيم الاكبر.

وقد تتسبب تلك التجارب المريرة في قرارت سلبية تجعل الشخص ينفر من العلاقات الانسانية ويفضل العيش في عزلة هربآ من الناس واضعأ أياهم جميعآ في سلة واحدة وحاكمآ على نفسه بالاعدام الاجتماعي.

معظم هؤلاء يعانون من أمراض ومشاكل نفسية تحتاج الى معالجة جدية وفورية للخروج الى الحياة مرة ثانية والاختلاط بالناس بشكل فعال وطبيعي.

في دراسة علمية ضمت ثلاثمائة ألف حالة تبين أن الاشخاص الذين يعيشون حياة أجتماعية ضعيفة معرضين لأضرار بالغة قد تصل الى حد مدمن الكحول او مرتين اللذين يعانون من أمراض السمنة المفرطة وقد تعادل من يدخن خمسة عشر سيجارآ في اليوم.

الوحدة تعرض الانسان للخطر والكثير من الامراض الفسيولوجية والسيكولوجية.

وأسوأها أنها تسلب منه تلك الفطرة الانسانية في التعايش مع الناس وبناء علاقات جميلة فلا يعود قادرآ على الاختلاط والتواصل حتى وأن أراد العودة الى الحياة الجتماعية.

أحيانآ مشاغل الحياة في البيت والعمل تسحبك بعيدآ عن أصحابك المفضلين بدون رغبة او قصد، حتى تجد نفسك وقد ماتت تلك العلاقات بشكل تدريجي ومؤسف لايمكنك تداركه او أعادته.

أختر علاقات تجعل لحياتك معنى جميل وثري وبعد آخر تستشعره كلما كنت معهم وبعد مغادرتهم، حافظ عليها كما تحتفظ بشيء ثمين من السماء ولاتدع مشاغل الدنيا تعوق تواصلك الذي منه تستمد القوة والسعادة والثقة لانجاز مشاغلك وتجاوز عقباتك والابداع في حياتك.

لاتفرط بهم أن وجدتهم، وأبحث عنهم حولك وفي كل مكان أن لم تجدهم بعد.

ستحتاج اليهم تحديدآ كلما تقدمت في العمر، عندما تتذكر كل تلك المواقف المؤثرة التي مررت بها وكانوا الى جوارك وحولك وما كنت لتحتمل أي من أفتراءات الحياة بدونهم.

أن تاريخآ بدون علاقات صادقة بدون ضحكات بدون دموع بدون حب ليس الا هيكلآ لبناء موحش لايقطنه الا الأشباح.

بدونهم الحياة صحراء قاحلة ورحلة مملة ومعهم أنت حي تفيض حبآ وتقديرآ لسائر المخلوقات وكل شيء حولك.

وإن كنت ما أنا عليه اليوم بالرغم من صفعات الحياة المؤلمة فلابد لي أن أعترف بأنها كانت في غاية الجود والكرم معي برفقة وأصحاب أستطاعوا أن يجعلوا لحياتي معنى يفوق الانسانية وأمنياتي، ولو لم يكن لي شيء آخر سواهم لاخترت أن أعيش هذه الحياة مرات ومرات بوجودهم.