سمارة نوري

داروين ..وتطور الانسان

تم تأليف ومراجعة هذا البحث أستنادآ الى كتاب الاسلام بين الشرق والغرب لمؤلفه علي عزت بيجوفيتش – رئيس دولة البوسنة والهرسك

تقول نظرية داروين عن الانسان اللاشخصي، “ان الانسان اصبح قادرآ على الكلام، وصناعة الادوات، ويمشي منتصبآ”، ثم يأتي علم البيولوجيا ليستكمل الصورة، ويرينا ان كل شيء يرجع الى حياة بدائية هي بدورها عملية طبيعية كيميائية عن طريق اللعب بالجزيئيات. أما الحياة والضمير والروح … فلا وجود لها وبالتالي ليس هناك جوهر أنساني!!!!.

العلم يحصي الحقائق التي تؤدي بطريقة عنيدة الى الاستنتاج بأن الانسان قد تطور تدريجيآ من حيوان الى انسان. اما الفن فأنه يرينا الانسان في صور مثيرة قادمآ من عالم مجهول. العلم يشير الى “داروين” وتركيبته الجهنمية، اما الفن فيشير الى “مايكل انجلو” وشخوصه الرائعة على سقف كنيسة سيكستين.

“أن الانسان لايسلك في حياته كأبن للطبيعة، بل كمغترب عنها. شعوره الاساسي هو الخوف وهو خوف روحي موصول بأسرار الوجود الانساني والغازه.”

أن استمرارية النمو البيولوجي ليس هو النمو الروحي .. فمثلا فن التصوير عمل روحي وليس تقني، فقد ابدع “رافائيل” لوحاته بروحه وليس بيده، وكتب “بتهوفن” اعظم أعماله بعد أن أصيب بالصمم. ان النمو البيولوجي لو امتد الى ابد الابدين، ما كان بوسعه ان يمنحنا لوحات رافائييل ولاحتى صور الكهوف البدائية التي ظهرت في عصور ماقبل التاريخ .. نحن امام جانبين منفصلين من وجود الانسان.

الانسان متعذر فهمه، غير راض، معذب بالخوف والشك.

الانسان اكثر من جميع ماتقوله عنه العلوم مجتمعة. انه اكثر بكثير مما وجد في علم الحفريات وعلم هيئة الانسان وعلم النفس التي تصف الانسان من الجانب الخارجي الآلي الذي لامعنى له ولاتدرك الجانب الروحي الذي هو سبب تفوق الانسان وعبقريته . فاللوحة مجرد الوان لامعنى لها بدون روح الرسام وابداعته النابعة من الروح وكذلك الموسيقى والبناء وجميع الاعمال المميزة التي تعبر عن روح الانسان وبدونها فهي خاوية لاتعني شيء.

طبيعة الانسان مزدوجة، جاءت احد جانبيها من الارض وجاء الاخر من السماء.

أن النمو والتطور في الانسان بيولوجي وليس روحي، وان هذا التطور يشمل التاريخ البشري الخارجي فقط.

أن وحشية الانسان البدائي الاول لاتمت بصلة بكونه حيوانآ متوحشآ في الاصل فالحيوانات ليس لها طقوس وعبادات وتقديم اضحية لاجل الاصطياد مثلا وفي هذا تناقض ظاهري، انما يرجع سبب وحشية وغرابة احوال الانسان البدائي الى “معاناته وضلاله” وهما امران يتكرران الى اليوم في مأساة الجنس البشري حيث تسلك الامم كما يسلك الافراد سلوكآ لامعقولية فيه، لاتدفعهم اليه غرائزهم وانما تعصبهم واخطاء متأصلة فيهم.

يكون الحيوان خطيرآ عندما يكون جائعآ اوفي خطر، اما الانسان فيكون خطيرآ عندما يشبع ويقوى. وكثير من الجرائم ترتكب بسبب الشبع والعبث.

ان الحيوان يقتل بسبب المصلحة وهي خاصية يستخدمها الانسان في السياسة والاقتصاد السياسي، اما التضحية فهي انسانية لايعرفها الحيوان ومرجعها المبادىء الدينية والاخلاقية التي تبناها الانسان منذ وجوده.

اليس من السخرية ان الانسان البدائي استمتع بالنظر الى الزهور والحيوانات ورسمها على جدارن كهفه اقرب من الانسان اليوم الذي يعيش في المدن الحديثة معزولا في قفص من الاسمنت المسلح، محرومآ من ابسط المشاعر والاحاسيس الجمالية.

“ان الانسان حيثما ظهر يظهر معه الدين والفن. اما العلم فأنه حديث النشأة نسبيآ.”

قد نجد مدنآ بلا أسوار او بدون ملوك او حضارة او مسرح، ولكن لم يرّ انسان مدينة بدون أماكن للعبادة والعبّاد. بلوتارخ

لقد وجدت ولاتزال حتى الان مجتمعات انسانية بدون علم ولافن ولافلسفة، ولكن لم يوجد مجتمع انساني بدون دين. برجسون

تزداد نسب الانتحار ومدمني المخدرات والامراض العقلية برقم قياسي في دول تقع على رأس العالم من حيث الدخل القومي، الالمام بالقراءة والكتابة، والعمالة والضمان الاجتماعي.

أن هذه الظاهرة تتوازى مع التصنيع والتحضر وانهيار الاسرة. واذا نظرنا الى الظاهرة نفسها في نطاق دولة او مجتمع معين، فسنجد انها تزداد وضوحآ مع درجة التقدم والتعليم.

من الصعب تتبع الاسباب التي تكمن وراء هذه الظواهر ، وقد امكن تتبع ظاهرة تعاطي المخدارت بين الشباب في بيت الابوين. أن اختفاء المجتع الابوي واختفاء الاسرة الذي شاع الان في العالم، يخلق جوآ من التعاسة الداخلية معبرآ عن نفسة بأحدى طريقتين في العالم الخارجي: الغضب والتمرد، او حالة من اللامبالاة والسلبية والاستسلام ينتج عنها اللجوء لتعاطي المخدرات.

وهل مشاعر الاستمتاع المادي تولد شعورآ بالتعاسة الروحية؟

لماذا يصبح الناس نفسيآ اقل شعورآ بالاكتفاء عندما تتوفر لهم متع الحياة المادية اكثر من ذي قبل؟

لماذا تزداد حالات الانتحار والامراض العقلية مع ارتقاع مستويات المعيشة والتعليم؟

لماذا لايعني التقدم مزيدآ من الانسانية ايضآ؟

الرفاهية هي الصورة البرّانية، والعبثية هي الصورة الجُوانية للحياة. كلما ازدادت الرفاهية والرخاء كلما تعاظم الشعور باليأس والخواء .. والعكس صحيح.

يتكلم العلم عن وفرة السلع، ومعدلات الانتاج بالجملة، وعن الطاقة، والقوة البشرية، بينما تشير الفنون الى الضياع الانساني، والبؤس الفكري والاخلاقي، والعنف والوحشية والخواء النفسي في قلب الثراء والقوة للعالم المتقدم.

أن كومبيوتر المستقبل سيكون من الناحية النظرية قادرآ على عمل كل شيء يقوم به الانسان فيما عدا أمرين: أن يكون متدينآ وأن يكتب شعرآ – الشاعر السوفيتي أندريه فوزنسنسكي

ان فلسفة هذا العصر المتولدة من اكثر بلاد العالم تقدمآ وثراءآ، هي العدمية وفلسفة العبث.

تتحدث هذه الفلسفة عن عالم بلامنطق، وفرد منقسم على نفسه سيكولوجيآ ومحطم، وعالم أصم وأبكم صامت. أنها تعبير عن مقاومة الانسان، عن عدم رضاه عن العالم الذي ينمو بعكس الصورة التي ارادها لنفسه، انها تمرد على الحضارات ذات البعد الواحد.

فلم كان الانسان دائم التعبير عن مخاوفه واحباطاته من خلال الدين؟ لماذا؟ ومن اي شيء يبحث الانسان عن الخلاص؟

أن الحضارة عجزت عن تقديم حل لمشكلة السعادة الانسانية بواسطة العلم والقوة والثروة، ومادامت الحضارة عاجزة عن ذلك فلا بد من مراجعة أفكارنا الاساسية واولها فكرة العلم الخاطئة عن الانسان والاخذ بفكرة الدين عن اصل الانسان هي الفكرة الصحيحة، وليس هناك اختيار ثالث.

الانسان مخلوق، وقد انصب في وعيه ليس فقط انه مختلف عن الحيوان، ولكن ايضآ ان معنى حياته لايتحقق الا بأنكار الحيوان الذي بداخله، من اللحظة المشهودة المعروفة بالهبوط الى الارض، لا يستطيع الانسان أن يختار ان يكون حيوانآ بريئآ. لقد أطلق سراحه دون اختيار له في العودة.

ولذلك، فأن كل حل فرويدي مستبعد، فمنذ تلك اللحظة المشهودة لم يعد ممكنآ للإنسان أن يختار بين أن يكون حيوانآ او إنسانآ، إنما اختياره الوحيد أن يكون إنسانآ او لا إنسان.

المقال التالي: الاسلام بين الشرق والغرب 2- الفن والاخلاق