كان المنظر مهيبآ عبر النافذة وقد أغلقت السماء سدالها ليحلّ ظلام مخيف في الساعة الحادية عشر صباحآ مصحوبآ بأمطار هائلة وأعصار بلغ سرعته 120 كم/ساعة.

في غضون داقائق بسيطة تجمعت الطاولات والكراسي والمظلات الشمسية وكل شيء في حوض السباحة الذي كنت أنظر اليه من تحت نافذتي.

أصبحت الرؤيا شبه معدومة لكثافة الامطار وغزارتها وبقي زجاج النوافذ يرتج ويصدر أصواتآ غير مألوفة، لم يشاهد أحد شيء من هذا القبيل في السابق.

كان الجميع مشغول بتصوير الحدث والتعليق.

وكنت مشغولة بومضات من ضوء أبيض أختلط فيها ضوء البرق مع ذكريات عواصف أخرى.

كان التطابق بينهما كبيرآ الى حد الذهول.

نفس المشاهد والمشاعر التي لاتترك للقلب فرصة ليصدق ما يحصل وكأنه يريد هو الاخر أن يُقتلع من مكانه، ضيق شديد في الصدر حتى وكأن الهواء قد نفذ من الفضاء، ساعات طويلة شاحبة تنزل على المرء قبل أن تكشف العاصفة عن خمارها وتضرت ضربتها الاخيرة لتترك كل شيء مكسور.

نفس الظلام بنفس القوة ونفس الخوف تاركة كل شيء في فوضى عارمة يصعب أحتمالها وفي بعض الاحيان يصعب تصديقها. هكذا تحلُّ المحن العظيمة في حياتنا بالضبط.

كانت المياه تغمر الشوارع والحدائق والسماء، وكانت تتفجر في كل مكان بسبب الرياح الشديدة، أشياء كثيرة أجتثت من مكانها ولكني لم أتأثر ألا لمشهد الاشجار المتساقطة على أرصفة الطريق.

كنت أنظر اليها بحزن عندما مررت بنخلة كانت هي الاخرى مطروحة على الرصيف، أبطأت مركبتي لاأراديآ وبقيت ألتفت وراءآ أنظر اليها وقلبي يخفق بجنون. أردت أن أنزل وأجلس عندها لأقول لها بأنه لايحق لها أن تتساوى وتسقط مثل بقية الاشجار!!.

أني على أستعداد أن أتفهم جميع الاضرار ولكني لم أستوعب سقوط النخلة! والدليل انها بقيت شامخة في كل مكان الا واحدة او أثنتين اللاتي بصرتهن في ذلك اليوم عند طريق العودة الى البيت.

أمتلئت السماء بالشمس في اليوم التالي، تبخر الماء ولم يعد له أثر في الشوارع ولم يبق الا آثارآ بسيطة لتلك العاصفة، ولكن منظر تلك النخلة ظل محفورآ في رأسي.

رجعت اليها في اليوم التالي فلم أجدها وكانت بقية الاشجار مازالت ممدة على الرصيف.

هكذا عواصفنا الشخصية لاتمر الا وقد أخذت شيئآ عظيمآ وعزيزآ لايمكن أستعادته. كل شيء يمضي ويعود كما كان بعد مرور العاصفة الا ذلك الشيء الذي جاءت لتقتلعه، فأنه يبقى غائبآ الى الابد يطل بين الغيوم بين فترة وأخرى كسحابة بيضاء.

تمر الايام تباعآ وتزداد المسافة ويزداد الصمت والحنين.

يصبح يوم العاصفة يومآ تاريخيآ نحاول عبثآ أن نتناساه، ثم ندرك لاحقآ أن تلك العاصفة قد أخذت شيئآ كبيرآ من أرواحنا سيبقى فارغآ لايملئه شيء في الحياة.

لقد جسدت تلك العاصفة المطرية في ذلك اليوم بالصوت والصورة ذلك الفزع والهلع عندما يحين موعد الامتحان او الابتلاء كما يقولون.

كثير يسقطون في تلك العواصف كما سقطت تلك الاشجار العادية وقليل يقفون أمامها بصمود وكبرياء كالنخلة.

في اليوم التالي لتلك العاصفة كانت النخلات تقف برشاقة مرة ثانية في أبهى جمالها وقد أزدادت هيبة ورونقآ تحت أشعة الشمس الذهبية.

والعظماء أيضآ تزيدهم العواصف نورآ ووقارآ نابعآ من الايمان بالقدر وعدالة الله غير مستسلمين لذلك الفراغ والشرخ العميق الذي خلفته العاصفة في حياتهم وارواحهم.