هناك كتب يصعب تقييمها فهي تحف أدبية وفكرية نادرة، وهذا الكتاب منهم.

قام المؤلف بأستعراض تاريخ العالم منذ القدم وحتى الثلث الاول من القرن العشرين، كانت فكرته عبقرية وملهمة في التأليف لانها لم تأت كسرد تاريخي ممل ومنفصل، بل جاءت على شكل رسائل وجدانية من الاب -المؤلف- الى ابنته يقص عليها تاريخ العصور والازمان والامبراطوريات وكفاح الشعوب ومعاناتها بشكل يجعلك تشعر بأن العالم كله بيتك وان جميع التاريخ هو أصلك وقصتك وان تسلسل الاحداث والوقائع تجعلك تفهم وتعي اسباب الانحطاط والتدهور الذي انحدر اليه العالم والانسان وبالاخص بعد الثورة الصناعية في دول اوربا في القرن الثامن عشر حيث اصبح الصراع والحسد اساس المجتمعات وبسببها كان الاستعمار والحروب والاستغلال والظلم ليومنا هذا.

لاول مرة استطعت ان ارى العالم لوحة واحدة يشكلها تاريخ الدول في العالم كله، ومرتبطة ببعضها بشكل لايقبل التجزئة، ولكنها لوحة كئيبة يغلب عليها لون الدم والبارود!!.

استطاع مجىء الاسلام ان يغير العالم وينقذه من براثن الهمجية والتخلف واشتهرت تلك الحقبة بالفتوحات العربية في مشارق الارض ومغاربها حتى وصلت فرنسا واسبانيا ولكنها تراجعت عن فرنسا وبقيت في أسبانيا 700 سنة، ومن مظاهر الحضارة والتقدم بغداد وهارون الرشيد في المشرق، قرطبة وغرناطة في المغرب ومنها خرجت راية العلم لتنير العالم كله في احلك قرون شهدها التاريخ.

ولّى ذلك المجد بسبب الطمع والابتعاد عن الرسالة الاساسية، وبدأت سلسلة من الاحداث الكبرى فأنتشر النظام الاقطاعي ثم الحروب الصليبية والنهضة العلمية في اوربا وسقوط باستيل والثورة الفرنسية وبعدها حكم نابليون، غاندي والثورة السلمية في الهند، والامبراطورية الانكليزية التي امتدت الى آسيا والاقطار العربية وكندا وجنوب افريقيا واستراليا والتي يرجع اليها القسم الاعظم من مآسي الشعوب وتخلفها.

موسوليني والفاشية في ايطاليا وانتصار النازية في المانيا، وثورة الصين وتحدي اليابان للعالم، واتحاد الجمهوريات السوفييتية وانتشار نظام الاشتراكية والصعوبات التي لاقاها ثم الازمة الاقتصادية العالمية واسبابها والتنافس بين امريكا وبريطانيا على زعامة العالم وفشل النظام الرأسمالي وسببه في الكساد الاقتصادي وتخبط العالم في كل مكان.

صراعات دامية ومستمرة، وهيمنة بعض القوى واحتكار مصادر الثروات والاموال، كان من اهم اسبابها تقدم العلم الذي استخدمه الانسان بشكل سيء وظالم، فكانت الحرب العالمية الاولى ثم الثانية ولازال شبح الحروب قائمآ لكن بمسميات ديمقراطية وانسانية مضللة!!!

يقول: أن من الاقوال المأثورة ان التاريخ يعلمنا دروسآ كثيرة، وايضآ من الاقوال المأثورة أن التاريخ لايعيد نفسه ابدآ …. وكلا القولين صحيح.

لن نستيطع ان نقلد الماضي ولن يعيد التاريخ نفسه او يبقى كما هو، علينا ان نتحرك ونكتشف القوى التي تحركه، ونبحث عن طرق جديدة وجوانب أخرى للحقيقة تكون اكثر ملاءمة لما يحيط بنا من ظروف.

ان عصرنا الراهن عصر أوهام .. عصر شك وتردد واستفسار .. عصر ظلم وشقاء ووحشية .. لانرى طريقآ للخلاص ولاأملآ في النجاة.

يقول:
“عالم يظهر لنا كأرض ملأى بالاحلام
احلام مختلفة وجميلة وجديدة
في ارض ليس فيها فرح او حب او نور
ولاعدل او سلام او طمأنينة
ونحن هنا في سهل مظلم
يجتاحه النضال والكفاح
وتصطدم به ليلآ جيوش هائلة جاهلة”

ومع ذلك فأن الاستسلام لهذه النظرة القاتمة يعني اننا لم نفهم التاريخ ولم نفهم الدرس ولم نفهم الحياة فهمآ صحيحآ. ان التاريخ يعلمنا التقدم والنمو وان الانسان لابد ان يتطور في مضمار التقدم والرقي، والحياة عنيفة وحافلة بالتحديات، فيها الاوحال والمياه الآسنة والمستنقعات، ولكن ايضآ فيها البحار العظيمة، والجبال، والثلج، وضوء النجوم في حلكة الليل.

هناك الحب، والموسيقى، والفن، والكتب، والافكار، والجمال .. وليس من الشجاعة الفرار من الواقع وانكار شقاء الاخرين وعدم الاهتمام بما يحصل.

ولاسبيل للخروج من هذه الازمة الا بأستخدام الفكر … الفكر الذي يحقق نفسه بأن يقود صاحبه الى العمل .. “فكل فكر لايؤدي الى العمل يعد غدرآ وخيانة كما يقول رومان رولاند”.

والناس يتجنبون العمل خوفآ من العواقب لان العمل معناه مخاطرة والخطر من بعيد يبدو مرعبآ ورهيبآ ولكن ان نظرت اليه من قرب فلن يكون مفزعآ بل انه كثيرآ ما يكون رفيقآ قريبآ ومتعة في الحياة.

واليكم مقطع من هذا الكتاب الرائع، ” أن نهر الحياة لايهدأ، انه يجري بأستمرار، وفي بعض الاحيان يتدفق بسرعة لاترحم، وبقوة هائلة، متجاهلآ رغباتنا، ومقهقهآ في وجوهنا، راميآ أيانا كقشات صغيرة في مياهه الزاخرة المضطربة، السائرة الى الامام، ولكن الى أين؟ الى هاوية سحيقة تنثر مياهه في كل اتجاه، او الى بحر واسع الغموض، يتغير ويتبدل بصورة مستمرة. اما هو فباق في مكان لايحول.”

مقال آخر له علاقة عصور الظلام في العالم العربي

لتحميل نسخة الكترونية من الكتاب اضفط هنا

وايضآ متوفر في مكتبة ابوظبي الوطنية للاستعارة.