تأخرت كثيرآ في التدوين عن هذا النمر الأسود.

لم أكن أتابع سيرته التي وصلت شهرتها آفاق العالمية لتفوق ما يمكن أن يصل اليه الملوك والرؤوساء والمشاهير بقدر ما كنت مأخوذة بأنبهار وشغف وأجلال عظيم بمشيئة الله وتدبيره المذهل لتلك السيرة منذ ظهورها وحتى فنائها.

أحدى آيات الله العجيبة وأعجازه في مخلوق بلغ المجد والنجومية بالايمان الراسخ بقضيته والاستماتة في الدفاع عنها بكل جرأة وأندفاع حتى أتهمته أمريكا بأنه الزنجي الأشد غضبآ في أمريكا وهي تهمه لم ينفيها لانه كان ثوريآ ضد عنصرية الأبيض ومعارضآ للأفكار الجاهزة والمجتمعات المقسمة على مقياس واحد.

يذكرني كثيرآ بزهرة اللوتس الآخاذة التي تنمو وتعيش في أوحل المستنقعات وأكثرها عفونة لكنها تخرج بيضاء نقية فاتنة يصعب التحديق فيما حولها لشدة جمالها.

هكذا شاءت الأقدار الالهية أن ينشأ هذا الطفل ويكبر في أكثر المجتمعات تفسخآ وأكثرها عنصرية وأنحطاطآ وأشدها خطورة وبأسآ حيث يتصارع الوحوش بضراوة من أجل البقاء فقط.

وعندما يكون الانسان موهوبآ بالفطرة، حاد الذكاء، شديد الحساسية، فأنه أما أن يبلغ النجوم في السماء او يصل الى أسفل السافلين في بيئة منحطة كهذه وهو ما وصل اليه بكل المعايير والمقاييس فقد باع المخدرات وأشتغل في الدعارة وأرتكب السطو المسلح، لتنتهي به الاقدار الى سجن يوسف عليه السلام ولكن ليس ظلمآ إنما بغيآ وعدوانآ حتى أن أعتى السجناء والنزلاء أطلقوا عليه أسم الشيطان لكفره وما وصل اليه من إلحاد وتردي في قيمه الاخلاقية والانسانية.

وهناك رجع الى الكتب التي كان متفوقآ فيها عندما كان في المدرسة لكنه تركها ليلتحق بالشارع وكواليسه المظلمة عندما ترك مدينته في ميشيغان وسافر الى بوسطن ومنها الى نيويورك حيث مستقر السود في هورليم.

قال مرة عن الكتب: “لقد غيرت القراءة مجرى حياتي تغييرآ جذريآ ولم أكن أهدف من ورائها الى كسب أية شهادات لتحسين مركزي وإنما كنت أريد أن أحيا فكريآ.”

وشتان بين كتب تؤدي الى الجنون والالحاد واخرى تفتح آفاق الكون لتدخل فردوس الارض من أوسع أبوابها، ولن يرى الانسان النور ولن يعرف فردوسها الأعلى والأدنى الا اذا أهتدى الى خالقهما و خالق كل شيء.

وفي حديث آخر قال: في هذا الايقاع المجنون لعالم اليوم الذي لم يعد فيه مجال للتأمل ولم يعد الانسان يجد فيه وقتآ يمكنه أن يستعمله أستعمالآ جيدآ، أرى أن السجن يأتي بعد الجامعة مباشرة كأنسب مكان لمن يريد أن يفكر، إن السجين إذا كان لديه الحافز يستطيع أن يغير مجرى حياته”.

هذا ما حصل له عندما تعرف هناك لاول مرة على الاسلام.

رحلته في الاسلام عجيبة ومتخبطة ولسنوات عديدة كانت خاطئة وبعيدة عن الاسلام الحقيقي ومع ذلك أستطاعت أن تنتشله من براثن الاجرام والمخدرات والعالم السفلي لانه نذر نفسه لها بقوة وأخلاص لامثيل لها.

ألتهمت سيرة حياته في ثلاثة أيام لم أكن أفكر بشيء غيره، ولكن أكثر ما أثر بي رحلته الى أرض محمد وأبراهيم عليهما الصلاة والسلام الى مكة الشريفة وكنت أسترجع رحلتي في كل كلمة وأعلم حق اليقين ما يقصد في كل ما شاهد وقال.

يقول: “عندما غادرت جدة في نهاية أبريل 1964 كنت قد تركت جزءآ من نفسي في مكة المكرمة وأخذتُ جزءآ منها الى الأبد”.

وما أشبه اليوم بالبارحة، ولو كان مالكوم بيننا اليوم لشهد أقبح ما وصلت اليه أمريكا ومن تتستر عليهم وتمنحهم بركتها في الذبح والقتل والحرق والتهجير في دول الشرق الاوسط.

لقد فاق أجرامها في أمة الاسلام ما فعلته في الأفارقة والزنوج وجميع الامم اللامنتمية الى الغرب الابيض.

كان يقول: “يبدو أن عالم اليوم لم يعد فيه الا التطرف بين الشيء وضده، ولو أننا وجدنا الموقف الوسط وجمعنا بين النمو المادي والقيم الروحانية لأوجدنا الجنة على الارض”.

“عندما يقتل الشباب الابيض الأبرياء في نيويورك يسمون ذلك مشكلآ “أجتماعيآ” وعندما يقتل الشباب الأسود أحدآ يبدأ جهاز الحكم في البحث عمن يضعه في حبل المشنقة”.

هل يبدو هذا الخطاب غريبآ او بعيدآ؟

أتهموه بالتحريض على العنف والقتل والكراهية والعنصرية والديموغاجية وكان يرد عليهم قائلآ: “عندما تكون عوامل الأنفجار الأجتماعي لاتحتاج الجماهير لمن يحرضها. عندما تجتمع البطالة وسوء السكن والتعليم الادنى وتكون فيه منذ سنوات، لايحتاج لمن يشعله! أنه يشتعل تلقائيآ من الداخل”.

حياته كانت سلسلة عنيفة من التحولات وهدفه كان تحريك الزنوج.

كان قد أعلن أكثر من مرة بأنه على علم أن الأوامر بقتله قد صدرت سواء بيد عنصري أبيض او زنجي مسخر او زنجي مغسول الدماغ.

فقال: “أذا مت وكنت قد سلطت بعض الضوء على حقيقة هامة من شأنها أن تستأصل السرطان العنصري الخبيث من جسد أمريكا، فالفضل كله في ذلك يرجع الى الله، وأما الاخطاء فهي لي”.

سألته صحفية مرة بأن يخص عمودها بمقولة مدهشة فقال: على من يريد أن يتبعني ويتبع حركتي أن يكون مستعدآ لدخول السجون والمستشفيات والانتقال الى المقابر قبل أن يستطيع أن يقول إنه حر حقآ”.

وقد أصاب الحقيقة في الصميم عندما قال: “كنت أعرف أنه ليس هناك من يبادر الى القتل أسرع من مسلم مقتنع بأنه يرضي الله بذلك”.

لم تكن المرة الاولى التي أكتب فيها عن شخصيات رحلت وكأنها لم تمت ولم تدفن مع شعور عميق بالأعياء والتعب يبقي الدمع في القلب صامت صمت اللسان.