مهما قالوا وقلت في مقالات ومذكرات وكتب عن سويسرا، فكلها تصب في معنى واحد وتختزل الاسطر بكلمة واحدة، السلام.

أن فيها سحرآ يملأ النفس والروح والجوارح والكون بالسلام.

ولما العجب وهي أرض عذراء لم تعرف الحروب ولا الظلم ولا القتال، لا في تاريخها القديم ولا الحديث.

تكاد تكون من عجائب الدنيا الثامنة أن تبقي دولة صفائحها بيضاء نقية من دون دم ولا مؤمرات ولا دسائس ولا أطماع ولا حروب وهي قادرة.

كم دولة تدعي التحضر والتقدم وهي في حقيقتها مليئة بالشر والمجرمين يتخفون وراء بدلات أنيقة وألسنة مزخرفة وقلوب ميتة.

أما مدينة السلام فهي طيبة بأرضها، محبة بشعبها، صافية بسمائها، صارخة بجمالها، نظيفة بهوائها وشوارعها، دافئة باقامتها، وسكر زيادة بالشوكلاته الفاخرة التي تنتجها.

للحرية معنى آخر هناك، ليست شعارات مزيفة او أعلام مقنع ويمكن تمييزها بسهولة عن بقية الحريات المعوقة.

جنيف كانت المحطة الاولى ثم مدينة بازل ثم زيورخ ثم مدينة صغيرة رائعة تدعى فراون فيلد، زاد بهائها وروعتها لقائنا بأصدقاء اوفياء كانت آخر مرة التقينا فيها عند الوداع قبل مغادرة بغداد عام 1993.

كانت لنا زيارة خاطفة لمدينة نيون الفرنسية من جنيف عبر البحر، وايضأ زيارات متكرر لالمانيا الواقعة على الحدود اثناء اقامتنا بفراون فيلد.

أما مدينة شتاين آم راين وشلالات الراين فقد كانت معلمآ خرافيآ ينطق بأعجاز الخالق وأبداع الانسان.

عليّ ان اعترف بأني كرهت وجود مقر الامم المتحدة في هذا المكان الوديع، فهذه مؤسسة فقدت مصداقيتها وفعاليتها ولم يعد لها أي حرمة ولا قيمة في أقامة العدل ونشر السلام كما تدعي.

أنكشف وجهها ولم يعد يخفى على أحد بأنها ليست الا أداة متحركة في أيدي الدول التي تزعمها، وما حصل في فلسطين، العراق، دارفور، الصومال، وسوريا أكبر دليل على عجزها وخيانتها للعدالة والسلام.

تتجلى الحرية في هذا البلد الجميل في نظام الحكم القائم على غرار مبدأ الشورى الاسلامي بأنتخاب حاكم واحد من حكام الاقاليم السبعة بشكل دوري محدد.

قد سخرت جيشها لامن البلد ومساندة الدول المنكوبة ودول الحروب والكوارث الطبيعية.

انا أبنة الحروب نشأت وترعرعت في أحضانها ولم أعرف السلام حتى قبل خوضها في العراق، في وطني الثاني في كندا تعلمت بأن السلام نسبي وقد يكون له أقنعة تقتضيها الحاجة ووجوه ملونه حسب الظروف.

أما في سويسرا فأنها هدنه حقيقية وسلام مع الروح قبل الاخرين، في أرض لم تلطخ يدها بدم الابرياء مثلما فعلت دول العالم الاخرى.

كل شيء يمتزج وكأنه قطعة فسيفساء واحده، تتلاشى الخصوصيات والقوميات والاديان والاعراق، ويتجرد الانسان الا من أنسانيته وفطرته.

فيصبح التآلف والاحتكاك بين البشر تلقائيآ بلا تكلف ولا أصطناع كأنهم على معرفة سابقة.

تطمس كل الصفات والرغبات والطبائع ولايطفو الا الحب، حبآ شفافآ يخرجك من آدميتك المتوحشة ومنافستك البليدة مع الاخرين الى حقيقتك المسالمة والمحبة.

يالكيمياء الحياة عندما تمتزج عناصرها في الوقت المناسب والمكان المناسب.

تفاصيل تمر مرور الكرام في بقية الارجاء، ولكنها هنا تتوقف وتجمد وتتحلل لتفك الالغاز وتكشف المعاني لمن أعتاد فن الاصغاء الى كل اللغات.