في تلك الليلة كانت الجزيرة محاصرة بكل أشكال العواصف المائية.

أمواج البحر تتلاطم بقوة مدوية على الساحل، الامطار تهطل بغزارة كنحيب مفجوع، ودموعي تزحف بحرارة كلهيب العراق.

المغنية لازالت تصدح بأشهر الاغاني، بعضهم صار يرقص تحت المطر، واخرين سكارى يتناولون طعام العشاء بنشوة الليلة الممطرة والكحول.

الا نحن .. البحر والمطر وأنا.

غضب وأضطراب وحرقة لا تطفئها الامواج الكاسرة ولا الامطار المجنونة ولا دموعي اللامرئية.

السماء سوداء وكذلك البحر غارق في ظلام الليل وانا تحت المطر اريد ان يصل صدى صرختي الى اخر مدى.

متى نصرك يا الله؟
اليس النصر بقريب؟
اليس الصبح بقريب؟

هل يمكن للصبح أن يغيب أعوام وعقود؟

اليس الصبح بقريب؟

ماقيمة الحياة وهم يتربعون بين صنوف العذاب.

هم .. كلمة كبيرة ومبهمة!!.

ما قيمة المنتجعات والشواطيء والبحار والمانجا وجوز الهند والموز والنخيل وهم في قعر الجحيم تيبست الدماء في عروقهم.

ماقيمة الجنان وهم في سجن خرافي الابعاد وزنزانات مشتته بأبعاد طائفية ورايات جرباء.

من قال أن الهروب من العراق نجاة.

من قال أن الخروج من البيت كرامة.

من قال أن الحياة حياة خلف تلك الحدود.

كلها سجون أختلفت فيها ملامح السجانين وعتمة الاروقة ورطوبة الجدران والاناشيد الوطنية.

متى نصرك يا الله؟

فقد الناس عقولهم وباعوا ضمائرهم ونحروا شرفهم وداسوا على أيمانهم وهم في ذلك الافق البعيد لازالوا ينازعون ويتنازعون.

حتى الموت لم يقبل المصالحة وتركهم أشلاء ممزقة في الشوارع وعلى الطرقات وفي الثلاجات بلا أسم ولاهوية ولا كفن.

متى نصرك يا الله؟

بعيد المنال ولاأستطيع أن المح برك وأن حاولت رصدك بأضخم منظار، تراب أحمر يصل أعنان السماء يهيء الي أني ارى من خلال ذراته أقنعة مخيفة لوجوه أرهقها الظلم وأذلها الهوان.

هل بقي مكان لمزيد من الحزن والاسى؟

يا شمسآ أنارت الدنيا بقصصها وحكاياتها كيف صارت عنوانآ للقتل والظلام!

من أول حرب قادونا اليها كقطيع نعاج وحتى دخول امريكا ونحن غارقون ببيانات النصر وخطابات الحكماء ولافتات سوداء.

ثم جاء المخلّصين ليفتحوا الحدود على مصراعيها وكل من يدخل يستلم معول في يديه لتخطيط وتصميم أعظم مقبرة عرفتها الرافدين لندخل بمنافسة مع دبي في متلازمة الاكبر.

علماني، شيعي، سني، كردي، ميسيحي، أرهابي، وهابي، يهودي، ليتها تتحول الى طشار مثل نوافذ الزجاج التي تناثرت في الحروب التي أشعلتها وتذبح كل من يتمنطق بها جهلآ و وقاحة.

الم يرهقكم الكره والبغضاء.

الا تشبع نفوسكم من نتن الجثث ولزوجة الدماء.

متى نصرك يا الله؟

لا أشك في عودتك ولكن أشك في عودتي.

ترجع المياة عذبة في دجلة والفرات والدماء طاهرة في العروق ويخرج المرتزقة وسدنة الموت والغربان.

ام أننا مجرد حجر صغير أمام عبث التاريخ الذي لا يأبه بموت او حياة أمام ملحمة جديدة لابد أن يكون مسرحها العراق.