لم كل هذا الصخب والضجيج عند كل نهاية؟

لايليق بالنهايات الا الهدوء.

هدوء تتكسر عند ساحله صدى الاصوات وتتجلد المشاعر وتستعد النفوس لفصل جديد في كتاب الحياة.

تختلف قوانين البشر والدول والمجتمعات والاعراف عن قوانين الطبيعة وسنن الحياة، الاولى يضعها البشر بمعاييرهم وأجتهاداتهم فأما عادلة او جائرة تفرض سلطتها بالقوة والارهاب.

أهتمامي هو القوانين الكونية وليذهب البشر بقوانينهم الى حيث يستحقون.

لم أكن أفهم تلك القوانين عندما كانت تباغتني على حين غرة فلا أجد نفسي الا في حيرة وجحيم لايطاق واذا بالحياة ترغمني على السير بأتجاه آخر يختلف تمامآ عن أتجاهي.

صعبة هي في الغالب وقد تبلغ حد القسوة التي لا تتحملها العقول لحكمة وغاية ألهية ظاهرها القهر والعذاب وباطنها العدل والرحمة.

أنها أيضآ معيار الفشل او النجاح في مختبر الحياة فمن تأمل تلك السنن وفهمها نجا، ومن قضى جلّ حياته يجادل في عدل الله وقوانينه خاب وفشل.

لاشيء يغير تلك القوانين ولاخيار الا بأحترامها والانصياع الجميل لها.

قد تبدو أمانينا ساذجة وصغيرة لكنها تصبح هائلة وضخمة عندما تصطدم بتلك القوانين.

وفي لحظة الاصطدام يبدأ الاختبار وتتشكل الخطوط العريضة لفصول الحياة.

يخضع الانسان لتلك الصدمات في أولى سنين حياته كمنهج تدريبي حتى يكبر ويبلغ أشده فيبدأ بخوض الاصطدامات الحقيقية.

في أولى خطوات المشي عندما ينطلق المخلوق الصغير بشغف ونشاط برحلة أستكشاف بريئة في كل ما تقع عليه تلك العينين الماكرتين أبتداءا من التحفيات المنثورة والابواب المقفلة وأدوات المطبخ وسنادين الزرع ونقاط الكهرباء وصعود السلالم وكل ما يشكل مغامرة شيقة في عقله الصغير.

ممنوع لايجوز اللمس !.

هكذا تنتهي تلك المغامرات والمحاولات البائسة في التعرف على الحياة والاشياء الملموسة.

ثم تكبر قائمة الممنوعات بتقدم المرحلة العمرية لتشمل أمورآ حسية ومعنوية ومادية أكثر فضولا وغموضآ ولكن القوانين والحدود لا تتغير.

لايجوز الاقتراب.

بعد أشواط عديدة من المنع والعقاب والخيبات المؤلمة نتعلم وندرك بأن أحترام تلك القوانين هو جوهر الحياة وتجاوزها مكابرة ودموع وحسرة وندم.

لكل شيء نهاية والبداية خطوتها الاولى.

ثم تختتم كل النهايات بنهاية أبدية تجبرنا على فتح كل القبور وأعادة مراسم الدفن من جديد كلما هبت رائحة من تلك النهايات.

هذه النهايات ترسم ملامحنا وتحدد عنفوانا وتكتب تاريخ ثوراتنا وأنكساراتنا وتظل تشكلنا باستمرار.

بمرور الزمن نكتسب مهارات جديدة في الحدس بقدومها وحسن أستقبالها بدون مقاومة ولا ضجيج.

الا أن لكل نهاية هوية خاصة ومميزة كبصمات الاصابع تختلف في شدتها ودرجة قوتها وأثرها في النفس والوجدان.

لاتفرق النهاية بين مؤمن وكافر او أمنية وواقع.

كلها سماوية حتى وأن كنا سببآ في نزولها تبقى النهاية أمر غيبي يصعب تحديد مكانه وزمانه او ماهيته.

معظم النهايات تذهب لتفسح الطريق لبدايات جديدة وعهد مختلف ولكن بعض النهايات كالمسك يعبق بالمكان فتحفظه الذاكرة والنفس والروح وأن ذهب عطره.

تثير في النفس دفئآ وتدغدغ المشاعر وترسم أبتسامة وبريقآ في العين كلما هطلت كالمطر لتنعش الروح بأجمل الذكريات وأدق التفاصيل وأعذب الاوقات بالرغم من قسوتها وصعوبة نهايتها.

تبقى هائمة تسبح في الفكر والخيال والوجدان حتى ترحل الروح على أمل اللقاء مجددآ في عالم الاسرار.

تعودت أن أنثر أوراق الجوري على ضفاف كل نهاية كي تستريح في مقرها الاخير وتنعم بالسلام ويبقى شذى عبيرها فواحآ لاتمنعه النهاية.