إنها قصة أدولف هتلر.

ليست بحكاية جميلة او شيقة بل على العكس تمامآ فهي قصة بشعة وفظيعة لا تحتوي على أي قدر من الرحمة او الرومانسية، إنها قصة أنسان دموي أطلق على نفسه “الألماني الأكثر أصالة” و”الزعيم الديمقراطي الأعظم على مر العصور”.

إنها قصة رجل دفع العالم الى الجحيم فهلك ومن نجا منه عاش بؤسآ لم لم ير مثله قبل.

وقد دفعني للتنقيب في سيرته المظلمة وحياته الشاذة بأننا نعيش في عصر الإبادة والحروب بسبب نماذج كثيرة من هتلر، ،فأردت التمحيص في الشخصية النازية بحثآ عن الجذور وبالفعل وجدت نقاط تقاطع كثيرة بين تلك الأنظمة والنظام الألماني النازي، أن لم تكن المدرسة التأسيسية لجميع طواغيت العصر وأحلامهم المريضة.

لقد كان شريرآ محبآ للدمار وكانت الابادة أسلوبه الوحيد ولم يكن يشفي غليله الا الموت الشامل.

ولد في بيئة ريفية قاسية بجنوب النمسا لأب نسماوي في الثانية والخمسين من عمره وأم ريفية في العشرين من عمرها.
كان أدولف أبنها المقرب وكان يحبها حبآ جمآ فقد كانت تلبي كل مطالبه وكثيرآ ما كانت تصفه بأنه طفل شاذ يختلف عن باقي الاطفال ومع ذلك فقد كانت صارمة في تربيته ولم تعلم بأنها تعده ليثأر من العالم من أجل تعاستها مع زوجها.

أما والده فكان رجلآ قاسيآ عنيفآ متحجر القلب وربما أخذ أودلف عنه هذه الطباع الحادة.

ترك الدراسة وهو في سن السادسة عشر وظل ثلاث سنوات لايفعل شيء سوى المكوث في البيت او الهيمان في الشوارع وأحيانآ كان يقضي ساعات طويلة في المكتبة العامة يقرأ في التاريخ الالماني والميثولوجيا حيث استحوذت عليه ألمانيا وجذبت جلّ أهتمامه وليس النمسا وطنه الاصلي.

أصبح حب ألمانيا وحب كل ما هو ألماني القوة الدافعة في حياة هتلر وكان ذلك مفتاحآ لبعض ممارساته كديكتاتور.

عاش لااكثر من خمس سنوات في بؤس وشقاء ومعاناة في فيينا وعانى الجوع في أحيان كثيرة ولفترات طويلة فكانت حياته كفاحآ مستمرآ ضد الجوع ورفيقه الذي لا يرحم.

أصبح متشردآ رث الملابس ينام في المقاهي وعلى مقاعد المنتزهات او في فنادق فيننا الرخيصة حيث ينام المشردون مقابل قروش قليلة وكان ينضم يوميآ لطابور الفقراء والمعدمين كي يحصل على وجبة مجانية من المتصدقين، ولكنه بالرغم من ذلك العالم السفلي الذي عاش فيه الا أنه لم يدخن ابدآ ولم يقرب الخمر طيلة حياته!.

لقد كره فيينا حيث قال عنها: “في تلك الأيام تشكلت في ذهني صورة الحياة وتكونت لدي فلسفة خاصة كانت أساسآ خرسانيآ لجميع أفعالي”.

بدأ اولا بكره دعاة الاشتراكية وقرأ مؤلفات كارل ماركس لكنه نبذ تعاليمه وكان يتمنى في ضرب هؤلاء بنفس القوة او بقوة أكبر ساحقة، وتعلم هتلر صب غاية مقته وكراهيته على اليهود وقرر أن هؤلاء القوم من جنس مختلف تمامآ، فقرر مع نفسه أن الماركسيين واليهود يعملون في أتحاد وثيق لتدمير العالم ولذلك أخذ عهدآ مع الله عز وجل بأن يهب نفسه جهادآ ضد اليهود وقتالآ في سبيل الله ضده، منذ ذلك الحين أخذ هتلر يهاجم الهيود ويصفهم بأنهم فئران قذرة وجراثيم طفيلية وحشرات ماصة للدماء وظالمون عتاة، وصب أقصى شحنات الكراهية على اليهود.

هداه عقله الشاذ الى وجود المانيا قوية عظيمة تظهر يومآ وتتولى امر الدولة النمساوية الضعيفة، وتصور أنه ولد من أجل هذه الغاية وبدأ يجوب المقاهي ويتجادل في السياسة واذا عارضه احد يكون رد فعله عصبيآ عارمآ ولكن الامور سارت مسارآ عجيبآ فقد وجد أعدادآ متزايدة تستمع وتنصت اليه، فأكتشف شيئآ جديدآ في نفسه وهو أنه عندما يتكلم تنصت الناس له وتستمع.

وصل الى ميونيخ وكان يشعر بأحباط بسبب سياسة الحكومة الالمانية ووجد نفسه وحيدآ وغريبآ في مدينة بهيجة تعج بالبشر.

كان لاندلاع الحرب العالمية الاولى السبب الرئيسي في تغيير مجرى حياته فقال عنها: ” لقد جاءت الحرب بالخلاص لي وانتشلتني من الاكتئاب والبؤس الذي عشته طوال فترة شبابي، أني أسجد لله على هذا القدر الطيب”.

التحق بالفرقة السادسة عشر من المشاة البافارية التي كانت تعرف أيضآ بفرقة المجندين المؤلفة من طلبة متطوعين، وبعد تدريب استغرق فقط اسابيع قليلة تم إرساله الى الجبهة، وقد برهن هتلر على شجاعته وبسالته في القتال.

تسلم عدة اوسمة ولكنه ابدآ لم تتم ترقيته لاعلى من درجة وكيل عريف!.

كان يكره العدو بشدة ويتوق الى قتله قتلآ فكان القتال يجعله ينشط ويشعر بالنشوة وعندما أعلن أنتهاء الحرب تنفس الجنود الصعداء الا هتلر فقد حزن حزنآ شديدآ.

في تلك الايام استشاط غضبآ وقرر الدخول في ساحة جهاد اخرى في مضمار السياسة.

في صيف عام 1919 كان الرقم 7 في جماعة كونت حزبآ جديدآ للعمال لم يكن له اي خطة وإنما كان مجرد معارضة مناهضة للحكومة ولم يكن بصندوق الحزب سوى سبعة ماركات اي أقل من دولارين أمريكيين.

لم يمض وقت طويل حتى ترأس هتلر قيادة هذا الحزب وبدأ يلعب على أوتار الجماهير الحساسة فأثر عليهم وفي بحر سنتين حول هتلر هذا الحزب الصغير الى حزب جماهيري ضخم وغير أسمه الى حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني، أما كلمة نازي فهي مختصر مكون من الحرفين الاولين من كلمتي الاشتراكي والوطني الالمانيتين.

تدفقت الجماهير بجميع فئاتها للانظمام الى الحزب النازي وكان أغلبها من الفلاحين والطلبة وأصحاب الأملاك وضمت فئات من اصحاب المتاجر ورجال أعمال وعلماء ومثقفين معادين للسامية والكاثوليكية والاشتراكية والشيوعية.

عمل هتلر بعد ذلك على اختيار عناصر قوية دموية ودربها تدريبآ خاصآ لتكون ميلشيا تؤمن اجتماعاته وتتمتع بارقى الفنون القتالية وأحدث أنواع التسليح ولهذا الغرض قام بتنظيم فرق “القمصان البنية” او قوات العاصفة وعين صديقه ليقود هذه المجموعات الدموية المخصصة لقتال الشوارع.

وصف هتلر جمهورية ألمانيا القائمة قائلآ: ” لا أرى في الرايخ الألماني الحالي ديمقراطية او جمهورية وإنما خنازير ماركسية يهودية دولية”.

في عام 1933 عين هتلر مستشارآ لألمانيا، لقد صعد رجل متشرد في شوارع نمسا الى أعلى سلطة في بلد قوي. لم تكن جماهير الشعب الألماني في وعيها في ذلك التوقيت ولم تع بأنها حكمت على نفسها بالاعدام ولم يشعر الالمان أنهم ينساقون بأقصى سرعة نحو جحيم وجاهلية القرن العشرين.

كان الألمان يعانون ضعفآ سياسيآ فأستغل هتلر حالة الشعب المضطرب المحبط وكان هدفه تدمير الحضارة الاوربية واستبدالها بحضارة وحشية، أرتضى الألمان بهتلر زعيمآ كانوا يترقبون مجيئه الذي تسبب لاحقآ في خراب ألمانيا والعالم كله.

لقد أشتعلت الجماهير حماسآ مع هذا الزعيم الثوري الذي لم يكن سوى وكيل عريف في السابق لانه كان يعبر عن آمالها وأحلامها وكانت تهتف بقوة ” نحن على أستعداد للموت في سبيله لأنه زعيم ديمقراطي مخلص ولأننا بذلك نموت من أجل ألمانيا”.

خطط هتلر الداهية بعد ذلك للقيام بتخدير العالم من خلال خطبه المتواصلة الرنانة عن السلام ومزاياه لشعوب العالم كافة بينما أعطى الأوامر لمصانع ألمانيا العملاقة أن تعمل ليل نهار وباقصى عزم وقوة لبناء آلة الحرب الألمانية المخيفة.

في عام 1935 أعلن أن ألمانيا من حقها أن تبني لنفسها جيشآ دفاعيآ يصون أراضيها مكونآ من 36 فرقة قوامها 550,000 جندي وعلى نحو غاشم رهيب، حتى الملابس صممت بأناقة توحي بالعنف والرعب في الوقت نفسه.

في الاول من سمبتمبر 1939 وجه هتلر آلة الحرب الألمانية الرهيبة تجاه الحدود البولونية في هجوم سريع وفي بضعة أسابيع سحقت بولندا كالبيضة بين القوات الألمانية والروسية.

أستمر في خطاباته ولم يذكر بالطبع نواياه في أن يعد الشعب الألماني لا للحرب فقط مع الجيران الأوربيين ولكن لغزو العالم .. أي حرب عالمية ثانية.

في 1940 تحرك فجأة تجاه الدنمارك والنرويج وفي بضع ساعات سقطت العاصمة كوبنهاكن ثم وقعت جميع المدن تحت القوة النازية في بضعة أيام لاتعد على أصابع اليد الواحدة.

في نفس السنة لاحقآ فتح هتلر جحيمه نحو الغرب وأتجه صوب فرنسا المفترض فيه أنه أقوى جيش في العالم وأكثر تقدمآ لكنه أنهار مثل المبنى الورقي أمام جحافل هتلر العاصفة.

أنتظر أسبوعين ثم أعطى أوامره بشن حرب شاملة وخاطفة على الجزر البريطانية لسحق سلاح الجو البريطاني جوآ وأرضآ وقبل أن تسقط تمامآ طلبت في عام 1941 العون من أمريكا وبالفعل لبى الامريكيون صرخة بريطانيا.

في منتصف نفس العام قرر هتلر أصدار أخطر قرار في مشواره الحربي ومهاجمة شريكته روسيا السوفيتية حيث قال أن المعاهدة التي أبرمها مع ستالين معاهدة مؤقتة!!. ولم تستغرق منه عملية تهشيم روسيا السوفيتية سوى ستة أسابيع.

في ديسمبر من نفس العالم أعلنت ألمانيا وحليفتها إيطاليا الحرب على الولايات المتحدة حيث كان هتلر على علاقة وثيقة مع موسوليني طوال فترة الحرب.

كان بإمكانه أن يستغل هذا الحال ويصبح من عظماء التاريخ لكنه أرتكب خطأ فادحآ تمثل في أنه حكم الشعوب والدول المهزومة بأسلوب مهين للكرامة حيث نظر اليها كبلدان أدنى بأجناس منحطة. وكان بأمكانه أن يحتفظ بها جميعآ تحت يديه لو أنه بادر بإعطائها دورآ مشرفآ في أوربا النازية الجديدة.

أنتقضت الشعوب المحتلة ونهضت ضد هتلر ونازيه في كل أنحاء القارة، في فرنسا، بولندا، الدنمارك، هولندا، النرويج، يوغسلافيا، واليونان وجعلت الحياة لاتطاق للسادة الجرمانيين. لقد فضلت الناس هناك الموت على الحياة تحت نظام هتلر النازي المهين.

عندما تمكنت قوات الحلفاء من دخول ألمانيا تكشفت للعالم أكثر الجرائم فظاعة في تاريخ البشرية.

لقد كانت ملايين من الناس تعلم أن هتلر يكره الشعوب الأدنى في العرق مثل اليهود والبولنديين والتشيكوسلوفاكيين وغيرهم وقد سمعوه مرات ومرات يقول إن جنسه الآري الأصيل سيحكم العالم.

لقد أقام هتلر معسكرات الاعتقال النازية في كل أنحاء ألمانيا تحولت بعد ذلك الى معسكرات أبادة تمت فيها أبشع المذابح البشرية على الاطلاق حيث قتل ما يزيد على عشرة ملايين من الرجال والنساء والاطفال بداخلها.

إن ما رأوه يصدم أشجع الشجعان بالرغم من أنهم كانوا من العسكريين المقاتلين الذين عاشوا الموت وبشاعات الحرب، لقد وقع بصرهم على آلاف الهياكل العضظمية التي كانت لجثث ربطت كالحزم مع بعضها البعض.

عمد النازيون قبل إبادة أولئك الملايين الى حلق شعورهم وأستخدامها كبطانة طبيعية لملابس القادة وتم أعدامهم بالجملة وسط ابتهاج نازي وموسيقى وأناشيد ثورية، وأستخدمت في إبادة هؤلاء كافة أنواع الغازات الحربية والمدنية السامة حيث يقال لهم إنهم سينالون علاجآ مطهرآ ضد القمل والجراثيم لذلك لابد من حلق شعورهم وخلع ملابسهم بالكامل!!!.

في منتصف عام 1945 بدأ الرايخ الثالث يتحطم وينهار وفي تلك الايام أصيب بمرض ألزمه الفراش وتردت أحوال هتلر البالغ من العمر ستة وخمسين عامآ وساءت صحته حيث بدا شاحبآ مرتجفآ يعاني الصداع والألم وعدم التوازن في الحركة.

لم يتزوج هتلر وكان قد صرح عدة مرات بأنه راهب سياسي كرس نفسه من أجل الرسالة السياسية وأنه بذلك تزوج ألمانيا.

مع ذلك فأنه قرر أخيرآ أعلان زواجه في منتصف عام 1945 في حفلة زواج صغيرة ومحدودة في قلعته المحصنة بعد أن أقسم الاثنان أنهما من دم آري خالص.

لم يكن للسيد هتلر وقرينته أيفا سوى يوم واحد من حياتهما.

في صبيحة اليوم التالي قتل هتلر كلبه المفضل بلوندي ثم دلف الى جناحه الخاص عبر ممرات الحصن الارضي وفي تمام الساعة 3:15 ظهرآ سمعت أصوات طلقات رصاص ليجده الحراس ملقيآ على الأريكة ومدرجآ في دمائه.

ثم وجد الحرس أيفا بروان تنتحر معه بتناول جرعات من السم.

لقد حول العالم الى خراب وأوربا الى كومة من الاشلاء ودخل التاريخ ولكن كأقذر كاره للبشر وقاتل للحياة.

المصدر
أدولف هتلر
الرجل الذي أراد عمليآ احتلال العالم
د.لويس سنيدر