الكتابة مثل الحياة لغز.

أننا نكتب دون أن نعرف لما نكتب مثل بزوغ الفجر كل فجر، ومجيء المساء كل مساء، أشياء خارقة تحدث ونقبلها على نحو أعتيادي وروتيني.

نحن لا نبدع باللغة فحسب، إنها أحياناً تبدع من خلالنا.

لماذا الخضوع الى قانون البقاء وحيدآ في قلب الصمت لساعات وأيام وسنوات!.

من يعرف جنون الكتابة لايستطيع أن يمتنع عنها لانها حاجة مستمرة تبدو أزلية لانهائية ولاتعرف الاكتفاء.

قد تقضي عمرآ وأنت تكتب بلا توقف.

هل يعرف المرء لما يكتب؟

أنه يكتب فحسب.

لا، ليس صحيحآ مهما كان الكاتب نابغآ او موهوبآ او متقنآ فأنه لابد من سبب في داخله وسبب مقنع وكافي لان يجعله يتحمل ذلك الجوع المتواصل والانهاك الذي يدفع الى الجنون.

أكتب لان الكتابة هوائي الخاص من دونه أختنق او أصاب بالهزال الجسدي والعقلي، وجودي خارج محيط الكتابة وجود شبحي طيفي تمامآ كالسراب .. كالعدم.

أكتب لسبب أناني بحت هو أن أشعر بأني كائن خارق وأستثنائي في كون لايكترث بي على الاطلاق.

لااعلم الى أين أمضي حين أكتب، ولكني اشعر بأنها ضرب من الحصانة ضد الاحساس القاهر بالهامشية في عالم لايريد منك الا أن تكون شيئآ او رقمآ او أداة .

شعور عارم بالرضا والسرور عندما تنتج عملا، ثم سرعان ما يبدأ الشك يتخلخل الى نفسك مسائلا أياك أن كنت حقآ راضيآ بالمستوى الذي كنت تصبو اليه!!.

ما هو كامن بالداخل وما يدور في أروقة الدماغ وما يوقظني من النوم أجمل بكثير من أي عمل أنجزته.

ثم فترة قصيرة من الراحة يلتقط فيها الانسان أنفاسه ويستجمع قواه المنهكة ويبدأ القلق من جديد في محاولة أخرى جديدة حتى ينتهي العمر ولازال يحتاج الى المزيد من الوقت لكي يعبر عما بداخله.

هكذا أتنفس هواء الكتابة تاركة التأويل للاخرين .

لاأروي حياة أخرى ولا أحب أن أتلبس شخصيات من الخيال والاحلام وليس في كتاباتي أبطال وهميون لان الحياة التي أحياها تروقني بكل مطباتها التي تجعل من حياتي حبكآ دراميآ نادرآ نابع من الواقع وليس الخيال.

أنها حياة أبدو فيها حقيقية أكثر من تلك التي أراها في المرآة.

أحلم بحياة أتحرر فيها من أعباء الوظيفة والاستغراق في الكتابة من دون أحساس بالقلق والتوتر والاذلال اليومي الذي يفرضه العمل.

“أن تكتب هو أن تتجسد وأن تكون موجودآ بعد الموت”.

هكذا يترجم كثير ممن يكتبون معنى الكتابة.

حضورنا عابر ولكن قد نترك رائحة طيبة او ذكرى جميلة لشخص ربما يمر حيثما مررنا فيتذكر ويبتسم.

لاأحتاج الى شهرة توفرها النصوص الرخصية او العلاقات الاجتماعية المجانية ، يكفيني عدد قليل من القراء والاصدقاء المتابعين.

الضوء يكشف ومن يقبل أن يكون في بؤرة الضوء عليه أن يتوقع أنتهاك خصوصيته والتدخل في شؤونه الخاصة، لذلك كانت علاقتي بالكتابة مشوبة دومآ بالحب والحذر، الثقة والارتياب، المرح والقلق، الاطمئنان والخوف.

في مرة نشرت على صفحة الفيسبوك قول أعجبني لجلال الدين الرومي يقول: عرفتُ القراءة بعد ذلك علمتُ نفسي الكتابة وبعد مدة علمتني الكتابة من أكون أنا.

تعليق صديقتي أعجبني أكثر الذي جعلني أشعر بأنه أصدق ما قيل في الكتابة، كتبت تقول: الكتابة هي مرآة لشخصية الفرد التي يحاول إخفاء معالمها ومكنوناتها عن الناس، بل بالأحرى هي نافذة تعبر من خلالها المشاعر الصادقة، والحقيقة بدون مجاملة، والأمنيات الخجولة والحروف النابعة من صميم القلب. وعندما تفرغين من كتابة فقرة أو حتى سطر ما، تنظرين الى تلك الحروف الصادقة وتجدين فيها روحك الخجولة وهويتك التي طالما ضحيت بها لإرضاء الآخرين، الكتابة دواء يزيل الستار عن (من أنا وماذا أريد).