أصبح العالم اليوم مشغولا بموضوع الهوية بسبب الصراعات المستمرة والاحداث المعاصرة، شعوب تظهر وأخرى تختفي، دول تقود وأخرى تتبع، أديان تعلو وأخرى تخفو. وبين هذا وذاك يظل الانسان في رحلة لاتنتهي بحثآ عن هويته.

أستنفر عقلي كتاب قرأته مؤخرآ لامين معلوف بعنوان “الهويات القاتلة”، لامحص هويتي واتعرف عليها بأدراك ووعي من دون مؤثرات خارجيه او عوامل بيولوجيه او أنتماءات أثنيه لاخيار لي فيها.

هل هويتي هي قوميتي فأنا اذن عربيه، أم هي ديني فأنا مسلمة، أم هي جوازي سفري فأنا كندية، أم هي بطاقتي الشخصيه فأنا عراقيه، أم أنها أصول والديَ فنصفي تركية،  أم أنها شجرة عائلتي فأنا بياتية، أم هي محل أقامتي فأنا اماراتية أم انها أنتمائاتي فأنا انسان.

أردت أن أختار أكثرها بروزآ لتعبر بشفافية عن حقيقتي، فلم أستطع أن أختر أي منها لانها ببساطه العناصر الاساسية لنسيج هويتي، وأنتهيت الى ماقاله معلوف “أن هويتي هي التي تعني بالظبط أني لاأشبه أي شخص آخر”.

أفتخر بأرثي القومي وحضارتي العريقة وتقاليد شعبي وديني الحنيف التي كونت جزءآ كبيرآ من ملامحي اما شخصيتي ومبادئي وأفكاري فكلها بنات عصري، والاحداث التي عاصرتها، والبيئة التي تعايشت معها، والمجتمعات التي أندمجت فيها، واللغات التي انطق بها.

لاأشعر بالحرج او النفاق من أني عربية وكندية، بالعكس فالميزات التي أكتسبتها من المجتمعين لايمكن ان تتوفر في انسان أختبر احدهما فقط، وأرفض الطاعة والخضوع لاكون شبهآ للآخر، أنما أطمع بأن اكتسب الافضل والارقى، لاخرج بهوية فريدة من نوعها، غنية بمحتواها.

نعم أشعر بالحرج ان أكون مسلمة ولاأصلي، او أن أكون عراقية ولا يستطيع أولادي النطق بالعربية او أن أكون كندية ولاأحترم  النظام  او أن أكون انسانآ وأعطل عقلي.

التنوع والاختلاف يغني الانسان ولايعيبه أما الازدواجية ونكران الذات فانه خلل فكري لاينتج الا نماذج مشوهه، كالغراب الذي لم يطل أرضآ ولا سماء، ملامحه باهته وشخصيته ركيكه وفكره مضطرب ليس له أنتماء ولا هوية.

لاضير من مجتمع علماني تسوده الديمقراطية المنصفه والحرية الغير مبتذلة التي تقبل الاخر وتحترمه، وهذا ماتدعيه مجتمعات الغرب وتنادي به، ولكنها كاذبه في أدعائها لانها لاتريد لها مثيلا ولاتقبل المشاركة وكل ماتريده هو الخضوع والاستسلام في كل تفاصيل الحياة، تريد ان تخفي كل أثر لاي ثقافة اخرى لدرجة أصبح الكثير يتحرج حتى من أسمه ويخترع اخر محورآ ومستحسنآ.

أن الشخص الذي اتعلم لغته ولايحترم لغتي فأن التحدث بلغته لاتكون انفتاحآ بل ولاءآ وخضوعآ  كما يقول معلوف.

والنتيجه كوكب بائس، ليس فيه أمن ولا أستقرار بسبب الانغلاق والوحشية، لاأتهم الغرب فحسب فهناك أنواع والوان من الطائفيه والعنصرية بين أفراد المجمتع الواحد والدين الواحد وجميعها مرجعها واحد وهدفها فردي لازلنا نشهد ويلاته ونشرب من مرارته يوميآ في مختلف بقاع العالم.

والشعوب المغلوبة على أمرها بين مطرقة الغرب وسندان بلدانها، مئات وألوف من الناس كفرت بدينها هربآ من المؤسسات الدينية وخطاباتها الجامدة، مثلما كانت اوربا في عصور الظلام الوسطى، لم تنتج الا شعوبآ همجية لاتحتكم الى كتاب ولاتعترف بدين وتنتهج من الاباحة وأنتهاك الحرمات قانونآ لها.

وشعوبآ أعتنقت التعصب والعنصرية بسبب عنجهية الغرب وسطوته كما يحصل اليوم في الكثير من البلدان العربية.

نريد عالمآ ملونآ لايقتصر على ثقافة واحدة و لغة واحدة.

كوكبنا كبير وفيه متسع لكل الناس بمختلف الوانهم ومعتقداتهم اذا أستطاع الانسان أن ينزع الانانية من قلبه والعمى عن عينه، ولن يحصل هذا مادام الانسان بعيدآ عن ربه لايستطيع تعريف خالقه او حتى الاتصال به، يتخبط في الظلمات ويقلد الاخرين.

لكل شيء في هذا العالم قانون ولهذا الكون سنن لانستطيع تجاوزها والاغفال عنها، كلما أحترمنا وجودها، كلما أقتربنا من العالم الذي نحلم ان نعيش فيه نحن وأبنائنا والناس أجمعين.