سمارة نوري
نظرة أخيرة – التسليم لله
علي عزت بيغوفيتش – رئيس دولة البوسنة والهرسك
للطبيعة حتمية تحكمها، وللانسان قدره. والتسليم بهذا القدر هو الفكرة النهائية العليا للاسلام.
فهل القدر موجود … وماشكله؟
ماذا تبقى من خططنا العزيزة واحلام شبابنا؟ ألم نأت الى هذا العالم بلا حول ولاقوة في ذلك، ثم واجهنا تركيبتنا الشخصية، ومنحنا قدرآ من الذكاء قلّ او كثر، وملامح جذابة ومنفرة، وتركيبة بدنية رياضية او قزمية، ونشأنا في قصر او كوخ، في أوقات عصيبة او في وقت سلام، تحت سلطان طاغية او امير نبيل، وفي ظروف جغرافية وتاريخية لم يتم استشارتنا بشأنها؟
كم هي محدودة تلك التي نسميها أرادتنا؟ وكم هو هائل وغير محدود هو قدرنا؟
وكلما نمت معرفتنا عن العالم تزايد أدراكنا بأننا لايمكن ان نكون أسياد مصائرنا، حتى مع افتراض أعظم تقدم في العلم، فما سيكون تحت سيطرتنا لايساوي شيئآ بالكم الهائل من العوامل الخارجة عن هذه السيطرة.
أن حجم الانسان لايتناسب مع حجم هذا الكون الفسيح، وعمر الانسانية ليست وحدة قياس لما يجري من الاحداث.
وهذا هو سبب شعو الانسان الدائم بالخطر، وماينعكس على نفسيته من حالات التشاؤم والتمرد واليأس واللامبالاة ….. او التسليم لله.
ان الاسلام يجتهد في تنظيم هذا العالم عن طريق التنشئة والتعليم والقوانين التي شرعها، وهذا هو مجاله المحدود .. أما مجاله الرحيب فهو التسليم لله.
أننا قد نتبع كل القواعد والتعاليم الاسلامية التي من شأنها ان تمنحنا السعادة في الدارين، ونتخذ جميع الاجراءات الطبية والاجتماعية والاخلاقية، ومع ذلك نظل نصاب بأجسامنا وفي انفسنا بكثير من المعاناة.
فما الذي يعزي أم فقدت ابنها؟ او رجل اصيب بحادثة فأصبح قعيدآ معوقآ؟
هناك حقائق يجب ان تبقى ماثلة امامنا مهمنا حاولنا من تغيير أوضاعنا: فلامفر من الموت، ولابد من المعاناة، ولابد من النضال، لابد من التعثر بمشاعر الذنب من دون رغبة.
من المؤكد ان واجب الانسان هو ان يبذل جهده لتحسين كل شيء في هذا العالم حسب مقدوره، ومع ذلك سيظل أطفال يموتون بصورة مأساوية في اكثر المجتمعات كمالا، وسيبقى الظلم والالم مستمرين، ومهما كانا محدودين فلن يتوقفا.
فأما التسليم لله او التمرد !!
التسليم لله هو اعتراف بالحياة على ماهي عليه، وقرار واع بالتحمل والصمود والصبر، انه ضوء ساطع يخترق التشاؤم ويتجاوزه.
كنتيجة لاعتراف الانسان بعجزه وشعوره بالخطر وعدم الامن، يجد ان التسليم لله في حد ذاته قوة جديدة وطمأنية جديدة.
أن الايمان بالله والايمان بعنايته يمنحنا الشعور بالامن الذي لايمكن تعويضه بشيء آخر.
ولايعني هذا التخلي عن الكدح والجهاد التي فيها يتحقق الاعتدال والصفاء أذا نحن آمنا بأن النتيجة النهائية ليست بأيدينا، انما علينا ان نسعى ونعمل، أما الباقي فبين يدي الله.
علينا ان نتقبل المكان والزمان اللذين احاطا بميلادنا، فهي قدر الله وحده، والتسليم لله هو الطريقة الانسانية الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لاحل لها ولامعنى .. انه طريق للخروج بدون تمرد ولاقنوط ولاعدمية ولاانتحار.
أنه شعور بطولي .. شعور أنسان عادي قام بأداء واجبه وتقبل قدره.
أن الاسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولانظامه ولامحرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب الانسان بها، وانما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه .. من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني .. من قوة النفس في مواجهة محن الزمان .. من التهيؤ لاحتمال كل مايأتي به الوجود .. من حقيقة التسليم لله.
أنه استسلام لله .. والاسم إسلام!
المقال السابق: الاسلام بين الشرق والغرب 1 – داروين .. وتطور الانسان
المقال السابق: الاسلام بين الشرق والغرب 2- الفن والاخلاق
المقال السابق: الاسلام بين الشرق والغرب 3 – الطوبيا او المجتمع المثالي
المقال السابق: الاسلام بين الشرق والغرب 4 – الأسرة
المقال السابق: الاسلام بين الشرق والغرب 5 – موسى وعيسى ومحمد