سمارا نوري
بعض العشاق يشعرون بأنه لاوجود لهم كأشخاص منفردين الحب فقط هو الحاضر.
من السهل تمييز هذه الوجودية الكلية للحب لأن الحب شئ مُرض وجميل لكن الإحاطة بوجود الكره أمر صعب لأنه حال غير مُرض.
العشاق، المحبون بعمق، لا يجدون أنهم ” يحبون “، الحب لم يعد نشاطا أو فعلا، لكنهم عوضا عن ذلك قد أصبحوا الحب.
حين تحب أحدا تصير حبا، حين تكره تصير كرها، و لكن إن استطعت أن تُبقي على نفسك كما أنت فلن تحب أو تكره بالطرق العادية لذلك ندرج على قول عبارة “وقع في الحب”، ظاهرة الحب هي عبارة عن سقوط والوقوع في الحب يعني أنك قد فقدت إدراكك لذاتك بسببه.
العشاق يغضبون ممن لا يعيش حالة الحب، أنت لا تستطيع التواصل معهم لأنهم فقدوا منطقهم، لم يعودوا “هم” تحولت كل طاقتهم إلى حب، يأتلفون معه كليا , ليس فيهم من يدرك ليشهد على ظاهرة الحب.
الأمر مشابه في الكراهية، الحب و الكره متماثلان لأنهما أخذ و تحويل لذات الطاقة، جاذبية الحب و نفور الكراهية، حين تكون في الحب مشدودا إلى أحدهم فأنت تفقد جوهرك، تفقد نفسك و يصبح الشخص الآخر هو المحور أو الجوهر، حين تكره أحدهم فأنت تنفر منه، تفقد مركزيتك و إدراكك لذاتك، يصبح هو المركز.
تذكر .. ليس باسترجاع و ليس بعد انتهاء الأمر و لكن في ذات لحظة الحدوث، عندما يأتي الغضب، أغلق عينيك، تجاهل الحالة الخارجية و كن واعيا لما يدور في داخلك الآن.
طاقتك بأكملها تحولت إلى كراهية، إذا ركزت على مراقبة ذلك فسوف ترى جزءا من الطاقة يتحول إلى وعي، عمود من الوعي ينتصب وسط فوضى الكراهية أو الحب كلما ارتفع أكثر فوق حالتك الداخلية كلما تضاءلت الفوضى وانكمشت عندها ستلاحظ وجودك، أنك “أنت” من بقيت في الداخل و ليس الكره.
تتحول إلى ذات، إلى مركز، و لن يعود الآخر مركزيتك مجددا، لا جاذبا ولا منفرا.
على هذا التأمل أن يحصل لحظة الحدث، بعدها ستكون شخصا مختلفا تماما، ليس أنك هزمت الكراهية، ليس أنك تحكمت بحالتك العقلية، بل أنك صرت الآن وعيا، نورا لذاتك، و بسبب النور تستحيل العتمة.
أنت الآن شخص واع والكره يحتاج لاوعيك كحجر أساس له، أنه مستحيل مع الوعي.
هذه قاعدة هامة يجب فهمها بوضوح : الكره يحتاج لاوعيك، من اللاوعي يتغذى ومنه يحصل على طاقته و قوته، لذلك لا تنشغل بالكره، انشغل بوعيك.
كن أكثر وعيا تجاه أفعالك وأفكارك، تجاه أمزجتك نحو ما يحصل حولك.
الكائن الواعي لا يغمره شئ .. لا الحب .. لا الكراهية.
عندما يصبح الإنسان مركز ذاته، حين يصل إلى مرحلة متقدمة من تبلور الوعي سيختفي الإنجذاب نحو الآخر سيختفي النفور لكن هذا سيخلق مشكلة أعمق يعني أنك لن تقدر على تجاوز الكراهية مالم تتجاوز الحب، الجميع يود تخطي الكراهية و ليس الحب لكن هذه الرغبة تضعنا في موقف مستحيل لأن الكره جزء من ظاهرة الإنجذاب و النفور.
كيف تستطيع أن تحب ؟ كيف تكون منجذبا لكل شئ ؟ نحن نحاول أن نحب بطرائق متعددة لكن الطريقة الأسهل هي أن تكره شخصا و تحب آخر، السهل هو أن تجعل أحدهم عدوك والآخر صديق.
ستكون مرتاحا، تستطيع عندها أن تحب، أن تكون مشدودا إلى (أ) ونافرا من (ب) هذه طريقة.
الطريقة الأخرى معقدة أكثر، أن تكره ذات الشخص الذي تحب، نحن نفعل هذا الأمر يوميا نحب في الصباح نكره في الظهيرة ثم نعود لنحب مساءا.
كل عاشق يعايش هذا التواتر بين الحب و الكراهية بشكل مستمر، الإنجذاب و النفور.
صدق فرويد حين قال: عليك أن تكره عين الشخص الذي تحب، لا مفر من ذلك.
يزداد وضوح معنى هذا القول كلما أقصينا أنفسنا أكثر فأكثر عن أولئك الذين نحمّلهم كراهيتنا أهداف نفورنا و بغضنا.
تستطيع أن تحب بلدك و تكره بلدا آخر، تحب ديانتك و تبغض أخرى، لأنك ببساطة يجب أن توازن الحب مع كراهية في الكفة الثانية.
في الماضي كان سهلا أن تحافظ على هذا التوازن، اليوم هنالك الناشطون الإنسانيون و دعاة المثالية، هؤلاء يدمرون أهداف الكراهية القديمة، قريبا قد يتحد العالم بحيث تصبح هناك أمة واحدة وعرق واحد ومع تطور كهذا سيُجبر الكل على حب وكره هدف واحد.
هذه الازدواجية هي الحال الطبيعي .. إن أحببت فسوف تكره.
بعض الأشخاص يستمرون بإلقاء العظات “أحبوا العالم بأسره”!.
لكننا لا نستطيع أن نحب العالم مالم نجد عالما آخر لنكرهه، أنا لا أعتقد أن سكان الأرض يمكن أن يتحدوا حتى نكتشف أعداءا لنا على كوكب آخر، حالما نجد عدوا في مكان ما – و نحن نسعى جاهدين لذلك – عندها سيتوحد سكان الأرض.
لايمكن أن يتوحد هذا الكوكب إلا عند وجود كوكب آخر نحاربه، مجرد إشاعة عن وجود عدو قد تؤدي ذات الغرض.
لاينوس باولينغ – عالم حائز على جائزة نوبل – اقترح ذات مرة أنها ستكون فكرة جيدة إن نشرنا إشاعة عن طريق الأمم المتحدة عبر أصقاع العالم، إشاعة تقول بأن المريخيين على وشك مهاجمة الأرض و أن تُدعم هذه الإشاعة من قبل علماء مختلفين حول العالم آنذاك سيتوقف الإقتتال الناشب على الأرض.
أرى بأنه محق، فكما هي طبيعة البشر الآن قد يتأتّى من هكذا إشاعة نتيجة جيدة، الكذب قد يساعد الحقيقة لم تساعد حتى الآن.
بتواجد الحب ستتواجد الكراهية و عليك أن تجد هدفا لتسقطها عليه، إذن فكلما أحببت أكثر تصاعدت كراهيتك أكثر .. هذا هو الثمن.
تذكر .. إما الحب و الكراهية معا و إما أن تعيش دون أي منهما.
الكره سيختفي ليس بقيامك بعمل ما بل بكونك أكثر إدراكا، أكثر وعيا، أكثر تيقظا، كن كائنا واعيا و ستصير مركز ذاتك دون أن يقدر أي كان على تحريكك من مركزيتك.
حاليا يستطيع أي كان القيام بهذا، البعض بالحب، البعض بالكراهية، لكنهم متقلقلون يستطيع أي كان تحريكهم بعيدا عن مركزيتهم لأنها ليست مركزية حقيقية، هو مركز زائف تقبع فيه بانتظار أن يزيحك أحد ما عنه و يبعدك.
الوعي يعني المركزية، مركزية داخلية مستمرة مع تحقيقها يختفي الحب تختفي الكراهية وعندها فقط ستشعر بالسلام.
أعراضهما متشابهة فعليا، الكره العميق سيبقيك أرقا، الحب العميق سيحرمك النوم، كلاهما سيجعل ضغط دمك مرتفعا كل الأعراض متماثلة، القلق، التعب، الإرهاق، الملل من الأشياء العادية، كلاهما يبقيانك متوترا، كلاهما مرض.
عندما أقول مرض فأنا أعني الكلمة بحرفيتها عدم أرتياح.
Disease: مرض
dis-ease: عدم أرتياح
أنت لن تكون مرتاحا مع الحب أو الكراهية، راحتك تكمن فقط في زوالهما من داخلك، لا الحب لا الكراهية.
عندها ستبقى في ذاتك وحيدا في وعيك تتواجد دون أحد آخر، الآخر أصبح غير مهم لأنك أنت المركزي.
بعدها سيأتي التعاطف، التعاطف هو الحدث اللاحق للمركزية، التعاطف ليس حبا ولا كراهية، هو ليس انجذابا ولا نفورا، هو بعد آخر مختلف كليا، إنه كونك نفسك و تحركك وفق نفسك، العيش تبعا لنفسك.
قد تجذب الكثيرين، قد تنفر الكثيرين، لكن هذا ليس إلا إسقاطهم، مشكلتهم هم.
تستطيع أن تضحك من الأمر وستبقى حرا.
المصدر: كتاب أوشو – التحدي الكبير
مدونة أوشو