تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي by Michel Foucault
My rating: 4 of 5 stars
عمل نظري أكاديمي بحت يتناول أندفاع الجسد والروح وتخطيهما لحدود المعقول والمستقيم والعيش داخل عوالم اللاعقل التي لاتعترف بأية حدود.
ركاب “سفينة الحمقى” هم شخصيات مجردة، أنواع أخلاقية كالجشع والحساس والملحد والمتعجرف .. وضعوا بالقوة ضمن الركاب الحمقى في رحلة أبحار بلا ميناء.
أنتشرت في جميع أوربا دور لحجز مرضى الجذام بشكل واسع في القرن الخامس عشر.
ثم تحولت الى دور رعاية لأيواء الفقراء والمشردين والعاطلين والعجزة والمرضى بالأخص الأمراض التناسلية التي كانت قد بدأت تنتشر انتشارآ كبيرآ في القرن السادس عشر.
أختفى الجذام تمامآ في القرن السادس عشر الا من بعض الحالات وتحولت دور الحجز الى مستشفيات وفضاء تطبق فيه أجراءات حجز تعسفية ذات طابع بوليسي.
أما نزلائها فكان خليطآ عجيبآ من المنحرفون والمصابون بأمراض تناسلية والمبذرون والشواذ جنسيآ والمتهمون بالقذف في المقدسات الدينية والخميائيون والمنحلون .. مجموعة من الكائنات وجدت نفسها في النصف الثاني من القرن السابع عشر في الطرف الاخر معزولة وملقى بها في المستشفيات التي ستصبح بعد قرن او قرنين حقولآ مغلقة للجنون.
لقد أصبح الجنون رديفآ للخطيئة.
فبأختراع فضاء الحجز داخل منظومة الخيال الاخلاقية أهتدت الفترة الكلاسيكية الى وطن والى مكان للخلاص المشترك من الخطايا ضد الجسد والأخطاء ضد العقل.
تشير الأحصائات التي أجريت نهاية القرن السادس عشر الى وجود 3000 شخص من الفقراء والمشردين والمتسولين والمعوقين والمنحرفين، كانوا نزلاء السجن الكبير الذي شيد في فضاءات اوربا بأكملها والذين أصبحوا رفقاء للمجانين وأقرباء لهم الى الحد الذي لم يستطيعوا فكاكآ منهم في نهاية القرن الثامن عشر.
كانت وظيفة هذه الدور الأصلاح الأخلاقي وتخليص الأفراد وتطهيرهم ضمن مناهج دينية غاية في التعسف والاشمئزاز.
مما خلق نظام أخلاقي صارم من خلال عملية تجميع في دور الحجز بكل الفئات التي تدخل ضمن السلوك المدنس.
وبذلك تم تشكيل عالم جديد من خلال الحجز وأجراءاته الغريبة فلكي يكون ممكنا أدانة هؤلاء المسجونين والتعامل معهم كغرباء عن وطنهم كان يجب ان يصبحوا فاقدين للعقل من خلال تجربة تؤدي الى أستلاب العقل ليصبح للجنون تصورآ واضحآ ويكون الحجز منفى ليلوذ بالصمت الى النهاية.
وبذلك تحول اللاعقل الى موضوع عندما أنطلق في رحلة منفى لمدة قرن ظل فيها صامتآ.
وهذا يدحض مشروعية المقولة التي تشير بأن الجنون لم يصبح من الاختصاص العلمي الدقيق لطبيب الأمراض النفسية الا عندما تخلص من براثن الممارسات الدينية والاخلاقية.
فاللاعقل لم يصبح موضوعآ للمعرفة الا عندما وقع بشكل مسبق تحت طائلة التحريم.
وأخيرآ في القرن التاسع عشر بدأ مصطلح المرض العقلي يأخذ مكانه.
ولم يتغير أسلوب العلاج الذي أعتمد على العقاب حتى يتعلم السلوك “العاقل”.
الكتاب غني وزاخر بمعرفة علمية تخص الجنون والعقل واللاعقل والاختلال النفسي وكل السلوكيات الغريبة والشاذة ولذلك فهو يتحدث عن الطب العقلي والسيكلوجيا وكل الاشكال العلاجية التي اعقبت العصر الكلاسيكي معلنة عن ميلاد “المجنون المريض” الذي سيخلف المجنون “الدرويش” و”الوحش” و”الشاذ”.
مثير للاهتمام ولكنه مادة علمية تحتاج الى التأني والأعادة في القراءة مرات ومرات لبلوغ الفكرة وفهم المعنى.