لا شك أن معظم المثقفین المسلمین وغیرھم یسمعون عن عالم الریاضیات والفیزیاء نیوتن الذي تھتز المحافل العلمیة عند ذكر اسمه ولكن ما لا شك فیه أن الكثیرین ینسون أن أشھر اكتشافات نیوتن ھي أن التفاحة إذا انفصلت عن الشجرة الأم فانها تسقط على الأرض وكأن التفاح و منذ أن كان آدم صبیا كان یطیر في الھواء عبر العصور والدھور الى أن سقطت تفاحة واحدة على رأس نیوتن لیصبح بملاحظته عالماً فذاً في الفیزیاء والریاضیات.
او أن جسد أرخمیدس كان أول جسد یخف وزنه في الماء لیملأ الدنیا ضجیجا باكتشافه أن وزن الأشیاء یخف في الماء.
الممعن في اكتشافات ھذین العالمین یجد أن مايمزھما عن بقیة الناس ھو قدرتھما على الربط بین ظاھرة طبیعیة یراھا كل البشر و قانون كبیر من قوانین الطبیعة مسؤول عن ھذه الظاھرة.
فالتفاحة ما كانت لتسقط لولا وجود الجاذبیة الأرضیة التي باكتشافھا وقیاسھا والتحكم فیھا استطاع الإنسان أن یطیر إلى الفضاء السحیق.
و ملاحظة انخفاض الوزن في الماء قادت لاكتشاف الكثافة النوعیة للمواد التي قادت إلى ما لا یعد ولا یحصى من الاكتشافات والصناعات وغیرھما.
ما نود قوله ھنا ھو أن العقل البشري تطور مراحل سریعة جدا لدرجة أن البحث العلمي أصبح له مناھجه وأساليبه المتفق علیھا عالمیا وتطبق في كل مجالات الحیاة من أحیاء وفیزیاء وكیمیاء واقتصاد وسیاسة وحتى في الأدب والاعلام والعلاقات الاجتماعیة وكل ضروب الحیاة الحدیثة.
فالعقل البشري أصبح قادراً على الربط بین المسببات والأسباب وتطویعھا لخدمته للتحكم في الطبیعة بعد أن كانت الطبیعة تتحكم فیه.
اذا كان العلماء قد جعلوا نیوتن اماما لھم فقط لانه اكتشف وجود الجاذبیة الأرضیة من سقوط التفاحة على رأسه فیمكننا أن نفھم لماذا جعل لله إبراھیم للناس إماماً.
فقد كان إبراھیم أول من وصل إلى لله قبل أن یوحي لله اليه طافرآ بذلك بالعقل البشري لیكتشف أسرار الخلق والخالق فقط باتباعه أسلوباً منطقیًّا وعلمیًّا في تحلیل الأحداث وربط الأسباب بالمسببات.
وكان إبراھیم عليه السلام اول من كسر الحاجز الوھمي بین الدین والدنیا ووضع منھاجا للتدبر في مخلوقات لله ونظام خلقه للأشیاء لیكتشف آیات لله الكونیة في ملكوت السماوات والأرض ویجعل منھا وسیلة لخيري الدنیا و الآخرة.
كان إبراھيم عليه السلام اول من افترض وجود الخالق بالمنطق ثم رفض قبول افتراض عدم وجوده بالمنطق ايضآ ثم بحث عنه بالتدبر في الأدلة و البراھین على وجوده إلى أن اتصل به الله فجعله للناس إماما.
والدارس لتاریخ الشعوب والأمم والمتبحر في فلسفات الإنسان القدیم والحدیث وحضاراتھما یلاحظ وبلا شك ان كل الحضارات ظلت حائرة أمام ثلاثة أسئلة لم تجد لھا إجابة لانها لا تقع في إطار البحث التجریبي وانما يمكن فقط البحث فیھا بالافتراض والتحلیل الفلسفي.
وقد انعكست حیرة الإنسان عبر العصور في غموض ھذه الأسئلة في تدوینھا بالمصوَّرات الدینیة والرسوم الموجودة على الحجارة والكھوف والأھرام وكتب الفلاسفة والفنون وغیرھا مما یثبت أن ھذه الأسئلة الثلاثة ظلت منذ وجود الإنسان معضلة أمام جبروت عقله .
تلك الأسئلة لھا علاقة وطيدة بفطرة الإنسان منذ أن صار قلبه یقلّبُ ویمحِّصُ الملاحظات وستظل إلى یوم الدین.
ولما كانت أیَّةُ إجابة لھذه الأسئلة لا یمكن أن تخضع للاختبار والإثبات بالتجربة فأن الايمان بنتائج أي بحث فیھا یقوم على صحة أسلوب البحث وسلامته ونزاھة الباحث وحرصه على الوصول الى حقیقة منطقیة لا وھمیة.
تلك الأسئلة ھي:
ھل یوجد خالق لھذا الكون؟ وإنْ وُجد، فھل ھو واحدٌ أم لھ شركاء؟
ھل یمكن أن یُبعثَ الإنسانُ بعد موته ودفنه وتحلله؟
كیف وُجد الإنسانُ في ھذا الكون؟
وھل تطور من قرد كما یقول الملحدون والرافضون لحقیقة وجودِ خالقٍ لھذا الكون ام أنَّ لله خلقه في صورةٍ دنیا ثم طوَّره إلى إنسان عاقل كما یقول علماء الأحیاء؟
أم ھل تم بناؤه في شكل تمثال من طین ثم نُفخت فیه الروح ثم أُخرجت زوجته من ضلعه كما یفھم أھل الدیانات؟
وفوق ھذا كله اين كانت جغرافیة بدایة الخلق أو التطور؟
وما علاقة كل هذه الاسئلة بأبراهيم عليه السلام امام البشرية؟
الجواب في كتاب آذان الانعام الذي يحكي قصة الانسان الاول وتطوره بأسلوب علمي وابعاد عميقة تستفز العقل البشري وتدعو الانسان وليس المسلم فحسب الى البحث والتمحيص والتدبر في حقائق كونية وعلمية تخص البشرية جمعاء.
المراجعة الكاملة لاذان الانعام
المصدر: كتاب آذان الانعام
الباب الثامن: ملة أبراهيم
المؤلف: الدكتور عماد محمد با بكر حسن