جلست يومآ أتخيل مراسيم الحضور لاستلام جائزة.
لم أكن متأكدة من نوع الجائزة وفي أي مجال ولكن بالتأكيد لن تكون الاوسكار ولا عرب آيدل ولا حتى شاعر المليون.
جائزة كبيرة .. اكبر من خيالي وأعظم من تطلعاتي وتوقعاتي.
جائزة تجعل المسافة بين مقعدي والوصول الى منصة التسليم وكأنه مائة عام.
جائزة ترفع الادرينالين في دمي الى أعلى مستوياته حتى ليستطيع جميع الحضور من سماع خفقان قلبي.
ماذا يمكن ان تكون؟
وهل يوجد في العالم مكان لجائزة مثل هذه؟
لم أفكر كثيرآ كي أجدها.
صحوت من حلمي وانا أصرخ وجدتها .. وكأني حصلت عليها.
جائزة نوبل
أعتقد انها تستحق المثابرة والحلم والوصول الى تلك المنصة.
تنطبق عليها جميع مواصفاتي.
كبيرة .. مرموقة .. نزيهة .. علمية .. وعالمية.
يحلم بها الملوك والرؤساء والعلماء والادباء والمفكرين والمخترعين وكل من على الارض.
ولكن ماهي جائزة نوبل ومن هو نوبل؟
في أمسية عشوائية وانا في مقهى سحبت جريدة البيان مع اني ابدآ لست من قراء الصحف والمجلات ولكن جذبني أسم نوبل في عمود صغير.
في بطاقه تعريفية كتب نوبل عن نفسه ما يلي:
ألفريد نوبل: نصف إنسان ضئيل كان ينبغي أن يخصص له طبيب يقضي عليه يوم ولادته.
مزاياه: ينظف أظافره ولا يحب أن يثقل على أحد.
نقائصه: بغير أسرةٍ، كئيب، سيئ الهضم.
حوادث حياته المهمة: لا شيء.
أعدت قراءة الاسم لاتحقق بأنه نفس الشخص الذي تنسب اليه الجائزة!
فرجع الجواب صاعقآ ومخيبآ.
قررت ان أبحث عنه .. فماذا وجدت؟
الفريد نوبل مهندس كيميائي ولد في ستوكهولم عاصمة السويد عام 1833 وكان طالعه سيئآ على العائلة فقد أفلس والده بنفس العام وأحترق بيتهم مما اضطر والده الى السفر.
كان والده مهندسآ مدنيا في الطرق والجسور وكان مبتكرآ ومخترعآ فيما يتعلق بتدمير الصخور.
تحسنت أحوال والده المادية في روسيا حيث نجح في أختراع الالغام البحرية التي أستخدمتها روسيا في حربها مع فرنسا وبريطانيا، لم تستطع السفن البحرية البريطانية من أختراق شبكة الالغام او الاقتراب من المدينة.
أرسل لعائلته لتلتحق به مما أتاح فرصة كبيرة لابنه الفريد وأخوته الثلاث لتلقي فرص علم جيدة ومدرسين أكفاء في علوم الطبيعة والكيمياء واللغات والاداب.
ما أن بلغ الفريد السابعة عشر حتى كان يتقن خمس لغات السويدية والروسية والفرنسية والانكليزية والالمانية.
شغف بالادب وتأليف الشعر غير ان أباه أراد ان يلتحق به في مشاريعه الهندسية فأرسله الى الولايات المتحده وفرنسا والمانيا ليواصل تعليمه في علم الكيمياء.
التقى بعالم سويدي الاصل أمريكي الجنسية في الولايات المتحده وكان لهذا اللقاء اثرآ في حياته العملية في مجال الطبيعة والكيمياء وتطبيقاتها في مجال المفرقعات .
نجح بالفعل في اختراع الدايناميت وحصل على براءة أختراع فتهافتت عليه الشركات والمؤسسات من جميع أنحاء العالم وقام بأنشاء عشرات المصانع في اكثر من عشرين دولة حتى أصبح من أغنى أغنياء العالم واطلق عليه لقب ملك المفرقعات او صانع الموت.
وبالعودة الى ستوكهولم قام هو ووالده ببناء مصنع لانتاج مواد شديدة الانفجار.
أنفجر المصنع عام 1864 وتسبب الانفجار في مقتل اخيه أميل واربعة من الكيميائيين والعمال.
ترك هذا الحادث اثرآ عميقآ في نفسه.
زعم انه أراد بهذا الاختراع ان يسعد العالم من خلال أستخدام الدايناميت في حفر المناجم وأستخراج الثروات الطبيعية من باطن الارض بالاضافة الى حفر القنوات والانفاق والطرق لتسهيل الاتصالات والتجارة بين البشر وتعلل بأن الشر الكامن في النفس البشرية هو الذي ادى الى استخدام الدايناميت في الحروب.
لم يتزوج وخلف ورائه ثروة طائلة بحدود 150 مليون دولار ومات وحيدآ في احدى المدن الايطالية ولكنه أوصى في أواخر حياته ان يهب ثروته لكل من يسهم في أسعاد البشر ونشر السلام عبر جائزة حملت أسمه.
أوصى ان تقوم الاكاديمية السويدية للعلوم بأختيار الفائز في مجال الكيمياء والفيزياء الطبيعية والطب والفسيولجيا وان يقوم البرلمان النرويجي بأنتخاب الفائز بجائزة السلام العالمي.
وأيضآ أن يكون الاختيار للجوائز نزيها لمن هو اكثر استحقاقآ بغض النظر عن جنسية المرشح.
وبدأ بتقديم الجوائز لاول مرة عام 1901 في ذكرى وفاة الفريد نوبل وحسب الوصية التي تركها.
بعد هذا البحث أنطفأ حماسي وذهبت أحلامي أدراج الريح.
لم يعد لها مكانة ولا معنى في قاموسي.
السبب الرئيسي في كل حرب وكل قطرة دم كان الاختراع الذي فاز به الفريد نوبل ..
وفي الاخر يخترع جائزة سلام للتكفير عن ذنبه !!؟
ثم تبين أن هناك أمرأة تعرف عليها عندما كان في باريس وكان لها اثرآ واضحآ في ظهور الجائزة، كانت ناشطة نمساوية وصحافية اصغر منه بعشر سنوات وتعمل في مؤسسة نمساوية للسلام.
أستمرت علاقته بها بالمراسلات ولكنها كانت مرتبطة بشخص آخر فتركته وتزوجت من ذلك الشخص بعد أن أقنعته بعمل شيء عظيم لمؤسستها ولكل من يعمل للسلام.
الا أن العالم كله لم يعد الا متجرآ صغيرآ للمتفجرات والاسلحة.
الدمار في كل مكان والسلام في الكتب والاساطير .. وجائزة نوبل.
أي سخرية ..
هل أريد حقآ ان ينضم أسمى الى لائحة الفائزين مع الرئيس المصري أنور السادات الحائز على جائزة نوبل للسلام بعد توقيعه لاتفاقية كامب ديفد عام 1978، أم الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد اتفاق أوسلو عام 1994 !!.
هل ستعيد جائزة نوبل السلام الى فلسطين .. هل تستيطع ان تعيد لي بغداد؟؟
صحوت من حلمي الذي ظننته جميلا على حقيقة مرة ومشاهد مرعبة في كل انحاء العالم.
البشر لايملكون جوائز ولايستطيعون التكريم وغير مؤهلين للسلام مادام الخير والشر قائمآ.
لاأنكر أن هناك من البشر من يستحق الفوز بجدارة بأرفع وأعلى جائزة عرفتها بلاد، ليس بأعمالهم وأنجازاتهم فحسب بل بأفكارهم وقلوبهم السمحة التي وسعت الكون كله فكان عطائهم سخيآ وأخاذآ.
قد لايكون عالمآ .. قد لايكون اصلا متعلمآ .. وقد يكون نكرة في زاوية حقيرة من هذه المعمورة لايدري به أحد.
في يوم ما سنفاجآ بأناس كانوا بيننا لم يكن لهم شأن يذكر يصلون الى أعلى منصة في مشهد مهيب ليس على شاشات التلفزيون ولا على المسارح ولا حتى في أفخر القاعات بل أعلى بكثير هناك في تلك السموات ليتسلموا جائزة تؤهلهم للعيش بسلام وخلود وأمان.
وهناك من سيفوز بجائزة تفوق ملك الدنيا والاخرة في موعد عظيم مع رب العرش العظيم في الجنة يوم المزيد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر.
ينادي المنادي: يااهل الجنة .. السلام عليكم
فيردوا: اللهم انت السلام ومنك السلام .. تباركت وتعاليت ياذا الجلال والاكرام.
فيتجلى لهم رب العزة تبارك وتعالى.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ – القيامة
الى ذلك أتطلع وبتلك الجائزة أتمنى أن أفوز.