تدهورت الاحوال السياسية بشكل صار يهدد المملكة الفرنسيه بالانحدار الى اسفل الدرك، بين مؤسسات الدين والحكومة والبرلمان والملك فتقسمت كل فئة الى احزاب ومجموعات تعارض بعضها وتنتهز الفرصة لتوجيه الضربه القاضية.
وكان روسو مطمئن البال بأن هذا الشغب والفوضى التي عمت الدولة بعيدآ عنه بالاخص وانه كان ينعم بحماية اصدقاء مقربين كانوا من طبقة الامراء والسلطة العليا.
ثم لم يلبث ان اشتعل قلبه بالخوف والقلق عندما تأخر نشر كتابه “أميل” وصار خياله يضخم كثيرآ الاحداث التي مالبث ان تحولت الى حقيقة ..
كان هذا الكتاب من اعظم مؤلفاته على الاطلاق ولكنه لم يلق الاحتفاء والضجيج الذي كانت تحدثه اقل مؤلفاته .. مما زاد من شكوكه ووساوسه حتى جاءه اليقين بأن الحكومة قررت محاكمته والزج به في الباستيل لما كان في الكتاب من تصريح حاد ولاذع نحو الامراء اللذين كان يجنون الارباح من الضرائب التي يفرضونها على الناس بغير انصاف والمعاملة السيئه التي يلقاها الفلاحين اللذين يشتغلون في اراضيهم والضرر الذي يتسببوه لهم بأستمرار بسبب حملات الصيد والنزهه التي يقوم بها هؤلاء الامراء.
وهكذا بدأت رحلة العذاب بعد ان أضطر لمغادرة فرنسا، فذهب الى سويسرا موطنه وظل ينتقل بين مدنها، هربآ من بطش السلطات واعدائه المتخفين. فلم تكن اقامته في موطنه اقل تعسفآ واضطهادآ، حتى وصل الى ان يقذفه الناس بالطوب والحصى في الشارع والتهجم عليه في بيته بعد ان تألب عليه الجميع بسبب التشويه والقذف المستمر والمخفي الذي لم يفتأ ظالميه بتأجيجه وتلفيقه في كل بقعة ومكان ينتهي اليه. وكانت بلده –سويسرا- تخضع تماما لسلطة فرنسا وأحكامها.
المثير للدهشة ان هذا الجزء –الثالث- لم يكن نهاية الاعترافات، حيث قرر روسو السفر الى برلين بعد ان تعذر العيش تمامآ في بقائه ببلده! ولكن وجهته في السفر تغيرت فيما بعد الى انكلترا بسبب امر مفتعل ومدبر .. الامر الذي ضمن استمرار اضطهاده حتى اخر حياته ..
وكان هدف روسو من هذه الاعترافات هو الافصاح عن حقائق طمسها اعدائه وعرض حياته بشفافيه على الرأي العام بغية حكمهم من غير تأثير وتأويل.
واليكم رأيي في الاعترافات .. فأنها ملحمة ادبيه تكاد تكون سمفونية بلغتها الادبية وبساطة سردها وعبقرية طرح المشاعر الانسانية بشكل دقيق وعميق وغاية في العذوبة.
أما رأيي في روسو، فأنه فيلسوف وعبقري لايمكن لاحد انتقاد موهبته او النيل منها.
تأثرت كثيرآ بأطباعه الشخصية وميوله التي ترفض المنكر وتميل نحو الاستقامة والعدالة وحب الطبيعة بشكل يفوق الخيال .. ولم استطع التوصل الى الاسباب التي ادت الى اضطهاده بهذا الشكل العالمي والعنيف .. ولابد من الرجوع الى “العقد الاجتماعي” و”أميل” و”رسائل من الجبل” وكل رسائله ومؤلفاته لمعرفة حقيقة افكاره والرسالة التي كان يدعو لها!!
لايمكن للحق والعدالة والدفاع عن المظلومين، ان تثير زوبعة عارمة من السخط والازدراء لدى السلطة والكنيسة والرأي العام كلها معآ، شملت كل دول أوربا، الا اذا كان الامر جد عظيم !!!
فما الذي كان يدعو اليه وماهي أرائه لكي يستحق هذا التقدير والمصير على موهبته وعبقريته؟؟ هذا مااتمنى ان اكشفه في قراءاتي القادمة او مطالعاتكم ومراجعاتكم.