كتبت هذه المدونة من فترة طويلة تزيد على السنة وظننت أني نسيتها ثم تنبهت لغفلتي وتذكرت بأن لكل شيء أوان ومكان ولم يكن القدر قد حان في ذلك الوقت لهذه المدونة لتولد وتصل الى من يشاء الله ان يقرأها.
في بداية مشواري في التدوين كان قلبي يمتلأ بالخوف والقلق من الفشل والانحسار لان الكتابة بالنسبة لي ليست مهنة ولا هواية وانما وحي لاأعثر عليه كما أشاء ومسؤولية شديدة في كل طرح، أيام تمر وفي داخلي زخم هائل من كلام لا ملامح له، أتمنى لو يجود قلمي بسطر منه فلا أجد الا بياض ناصع وقلب حائر.
وربنا رب قلوب يعلم مايدور في سرائرنا وما يثير حيرتنا وما يسعد أفئدتنا بنبأ او رسالة نخر لها ساجدين فرحآ وأمتنانآ.
في تلك الحيرة وصلتني رسالة من شخص لااعرفه ولكن كلماته ليست مثل كل الكلمات ويبدو أنه من العراق مثلي، أرسل لي عن طريق المدونة أنقلها كما وصلتني:
المدونة على ما يبدو تحمل شجون نفس .. نفس بحاجة إلى بر تستقر فيه .. وإيمان تكتئ عليه .. وأنا أحاول خلال كلماتي هذه نقل تجربة فرد عراقي .. عاش مثلما عشتموه .. وربما تكون تجربة الرجل في العراق أكثر مرارة ، وسوف أحاول أن أطرح الموضوع بعيداً عن عبارات الفلسفة ، وكلمات الروايات ، وطروحات الحالمين ، ففي مثل هذا المقام لا تنفعنا تجربة تولستوي .. ولا حال البؤساء .. والذي يبحث عن بريقة أمل يعيش فيه كمن يكون عاش مع صاحب ( الحب في زمن الكوليرا ) ، وحاله كحال الذي قال:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت .. ولقد أبصرتُ قدامي طريقاً فمشيت .. وسأبقى ماشياً إن شئتُ هذا أم أبيت .
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري .. لست أدري.
وهذه هي قصة الإنسان منذ الأزل .. ولم يكن كلكامش على خطأ عندما كان يبحث عن الخلود .. ولكن الخطأ في أنه لم يعرف طريق الخلود .. فبقيت أثاره .. وبقينا ننتظر قراره.
على أن الإنسان إن تفكر قليلا لوجد ما يبحث عنه .. كأقرب ما تكون إليه النفس .. إذ أن النفس تحتاج إلى ما ينفس عنها .. وما وجدنا ذلك .. إلا من خلال الإيمان .. وقد طفت في بحر الثقافة شرقاً وغرباً .. فدونت الأشعار .. ورسمت اللوحات … وقرأت في مختلف الثقافات .. ولم أعلم أن ما أبحث عنه كان بقربي .. فأنا أتمنى .. أن تدققي النظر .. وتسألي لماذا أنت هكذا مميزة في هذا العالم دون سائر المخلوقات .. وارجو أن تعثري على أجابة.
والسلام
بالرغم من عمق كلامه وروعة معانيها الا أنها زادتني حيرة.
فسألته: هل لامست الروحانية الذي تحدثت عنها في كتاباتي؟ ام أنك لم تجد فيها الا هيمانآ وبعثرة وشتات عقل ضل الطريق.
قلت له: أني أحمل من الشجون الكثير وأتوق بشدة لاصل الى بر الامان، عثرت على الايمان وتعلقت به ذهنآ وروحآ وفكرآ، وجدت فيه عزائي وسلوتي، لكني لازلت هنا في دار البلاء، وما أجملها من دار بالرغم من تحدياتها وأوجاعها ولكن يبقى رصيد الالم يصعد كل يوم في عالم قاس ومحيط مظلم، وقليل جدآ من يفهم لغة الايمان.
فهل أجبت على سؤالك ام لازلت في ضلال بعيد؟
قال: كنت أشير إلى شيء مهم في أصل الإيمان .. إلا وهو العطاء
ولا يشمل ذلك ما يقوم به الإنسان من صلاة أو صيام أو حج .. الخ
لأن هذا الأمر بينه وبين ربه .. وليس بالضرورة أن ينعكس إيجابياً على من يحيط به ويتواصل معه
ولكن كنت أشير إلى ما يشمل عطائه للأخرين .. وهذا هو المطلوب.
بعبارة صريحة .. أن ما يقدمه الإنسان في هذه الدنيا من بصمات إيمانية تنير طريق الأخرين هي المعنية.
وأتمنى لكم السير على هذا المنهاج .. لأن ما عند الله خير وأبقى … خاصة مع وجود قلم يكتب .. وفكر متقد.
أنتهى حديثه.
ولكم ان تتخيلوا سعادتي بعد هذا الحوار مع شخص غريب لم يتسنى لي حتى أن اعرف أسمه، سخره الله ليرسل لي هذه الرسالة الخاصة.
ذكرني بعدها أحد الصالحين بقصته عندما كان في بداية مشواره الدعوي فدعا الله بدعاء كان قد نسيه ولكن الله لم ينساه عندما سأله أن يبلغ قلمه عنان السماء ليصل الى كل الافاق.
فأصبح هذا الشخص من أشهر الدعاة وأكثرهم قبلوآ في القلوب.
فأودعت ربي مسألتي بأن يجعل لغتي شفافة وأن ينطقني بما وراء الملموس والمنظور وأن يبلغ قلمي كل القلوب التي تبحث عنه وتتوق الى معرفته بقرب وتيم وخشوع.
القلوب التي ضيعتها العلمانية الملحدة والمؤسسات الدينية المتحجرة والبيوت المشتته والمجتمعات الفاسدة والعلوم الناقصة وأعداء الخير والانسانية.
الى تلك القلوب أكتب ومنها أستمد وحي أيماني وأنطلق بقلمي بلا خوف ولا وجل.