كنت في مؤتمر صحفي وعلى عجالة من أمري أخذت دفتر ملاحظاتي الذي وجدت تحت يدي، فتحته بشكل عشوائي فوقعت عيني على رسالة كتبها لي بين جنبات صفحاته منذ عدة أشهر.
أذهلتني وكأني اقرأئها لاول مرة ونسيت الحضور.
كتب لي:
أذرع بيضاء تنعدم قدرة الحاسبين على حصيّ اشكالها واعدادها وكمياتها لان المدينة العتيدة تخفوا في أحضانها بهدوء كل شتاء لان الامر يتعلق بصنع القدير والقانون هو “أن تعدو نعمة الله لاتحصوها”.
الزمهرير الذي يلّف المدينة وستار كثيف من الهموم نحملها نحن الكبار دون الصغار الذين لايملّون من اللهو والمرح وهم يتناوبوا الحكايا دونما هدف سوى الالفة ومرح الطفولة ولهو الامل ولا يعلمون أن هموم الحياة تسير نحوهم بلا وجلّ وتردد وعلى حين غره سيجدون انفسهم امام شُعب ودروب وأنواع من التحديات التي ستلون حياتهم كما تفعل بنا منذ حين.
أعياد الميلاد هي ذوق خاص بأهله وغير أهله وأنا ربما أرصد او أتفاعل مع حركة عفوية او أرتشف ذكرياتي التي تداخلت بها الاماكن والشعوب والخطايا والصواب وترنيمة حزينة ما تزال تَمثل أمامي في كل عيد ميلاد.
يوم كنت غضآ قد أنبهرت بألوان الثلج وقد تلفح بصفير الرياح التي كانت تلهو بأغصان غابة النيغولي في حديقة ليوبليانا – سلوفينيا، آنذاك عندها وفي ذلكم الفجر البعيد كان لي قلبٌ شاب وغض يملأه الطموح و الامل والتحدي ولكنه كان شديد الايمان والالتزام.
وها آنذا أقف على أعتاب عيد ميلاد جديد لأجد نفسي غريب وبعيد لا صديق و لا اخ و لا أبن خال او عم .. سُنة الحياة.
ورغم ذلك الفراغ الحزين والأليم .. والوطن لايلملم جراحه حتى يصاب بنازلة اخرى.
أجد حولي ضيوف أعزاء لونوا حياتي ولو لحين بفرح صلة الرحم ونقاء العقيدة وعبث الاطفال اللاهية في دروب الحياة الفانية.
سمارا هذا الانسان القوي .. هذا الانسان الجميل .. هذا الانسان المجاهد .. هذا الانسان الذي أمتلأ قلبه بالايمان والعفاف والتقوى تزورني وعادتها أن تصر على ما تعتقد به .. ولكنها ما عادت بعيدة بما تفكر..
أن شراعها تداعبه رياح الايمان الصافي وتسوقه الى شواطىء التقوى والاخلاص لتردد في جنباته تراتيل الحب والطمأنينة “الا بذكر الله تطمئن القلوب”.
اليوم ما يسمى عيد ميلادها .. بل هو ذكرى أول ايام صراعها مع أتون الحياة وغوايتها .. مع آلامها وأحزانها .. ولكنها مسلمة وصدى قول الامام علي رضي الله عنه يملأ كيانها “أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدآ وأعمل لأخرتك كأنك تموت غدآ”.
فأني وبأيدي الضراعة أدعو لها ولنا بدعاء رسول الله عليه الصلاة والسلام “اللهم أحيينا وأنت راض عنا .. وأمتنا و أنت راض عنا”.
فلك مني أماني الاخ الكبير وأيدي الضراعة .. سنتذكرك دائمأ فأذكريني فقانون الحياة هو أن نفترق.