عشر سنوات مضت على حرب أمريكا على العراق، أرض الانبياء والحضارات وعاصمة الخلافة ودار العلماء بمباركة فقهاء العالم وأئمة الاشقاء، بدعوى الانسانية ونجدة الشعب العراقي من طغيان مجرم الحرب صدام، الذي سحق شعبه بالكيمياوي ويدس في أراضيه أسلحة كيماوية وبيولوجية تهدد أمن العالم!!!.
مهزلة عالمية ومسرحية تراجيدية صفق لها الجميع ونالت أستحسان الاغلبية.
أنكم والله بيضتم وجه صدام وجعلتم شعبه وكل من كان له ثأر عنده يترحم عليه بعد عشر سنوات من عذاب وقهر وأستباحة لم تعد تثير أهتمام الاخرين ولا حتى شفقة المؤسسات الانسانية والانظمة التي تدعي حقوق الانسان.
فهي، أقصد تلك المنظمات لازالت مشغولة بحقوق الحيوان وحقوق الشواذ وحقوق البغايا وحقوق ذوي الاعاقات العقلية وحقوق المجرمين.
عرضت أمريكا فيلمآ هولويديآ من طراز رفيع بتقينات هائلة ومستويات أداء خارقة، ولاول مرة يسمح للمشاهدين تحت عمر الثامنة عشر بحضور فلم أكشن بمشاهد رعب وعنف وقتل وأغتصاب فاقت جميع أفلام الاوسكار والعروض العالمية، تم عرضه حصريآ على شاشات العراق في الهواء الطلق على غرار الطريقة الحديثة والمبتكرة في دول أمريكا الشمالية الا أنها في العراق كانت أكثر شمولا من مجرد ساحة كبيرة لتشمل سماء العراق كله بدون أستثناء، وببلاش!!.
لم يكن العرض الاول، وأعترف بحيادية أنه فاق فلم عاصفة الصحراء وأضاف اليه الكثير من عناصر التشويق والاثارة والاستمتاع بنشوة وسادية بمشاهد لم يسبق لها مثيل وتم عرضها لاول مرة في الفلم الاسطورة لعام 2003 وحصريآ على شاشات العراق للمرة الثانية.
بعد قصف ملجآ العامرية الذي نُسف بصواريخ مخصصة بسبب أختباء الرئيس العراقي بين النساء والاطفال!!.
وبعد سحق البنى التحتية لبلد كانت تقاريرهم تؤكد بأنه في العالم 2000 سيصل الى مستوى أسبانيا!!.
وبعد الحصار العادل الذي حفظ الرئيس وأباد مليون ونصف من الرعاع اللذين يستحقون الموت.
وبعد التهجير الذي شرد نخبة أهل العراق وكفائاته العلمية والادبية وموارده البشرية التي يعرفها العالم كله!!.
لم يكن الدم العراقي كافيآ ليشبع ظمأهم ويطفيء نار الحاقدين.
فأعلنت الفيالق الامريكية الحرب بكل وقاحة وطيش وبنفس اللهجة الانسانية المقيتة وبأسم العدالة السماوية حربآ جديدة عام 2003 لاطاحة النظام العراقي وتقديم الخلاص للعراقيين بأعتبارهم مسييحيين مؤمنين.
اليوم بعد ثلاثة عشر عامآ من ذلك الخلاص الابدي خلصنا نحن العراقيين الى مايلي:
اولا: حرق المكتبات والمتاحف وكل آثار الحضارة العريقة لبلاد الرافدين.
ثانيآ: تطيهر العراق من العلماء والعقول المفكرة اما قتلآ او أستعبادآ وأستثمارآ في البلدان المتحضرة.
ثالثآ: خلق جيل أرهابي من الطراز الامريكي الاول.
رابعآ: تقسيم العراق الى طوائف ودويلات وأقاليم لااعرف ولاأعترف بأسمائها.
خامسآ: تثبيت القواعد الايرانية وأعطائها الضوء الاخضر لأستباحة الحكم والدخول الى العراق فوق سجادة حمراء.
سادسآ: تربية أطفال الهجرة على أسس الولاء والانتماء لبلدانهم الحاضنة بعد تدمير بلدهم البيولوجي في عقولهم وعلى أرض الواقع.
سابعآ: تراجع خطط التنمية التي كانت تنبأ بعراق متقدم ومتحضر الى أدنى مستويات الجهل والفقر والبطالة بأغنى الموارد وثاني أحتياطي للنفظ في العالم.
ثامثآ: أستباحة أرض العراق وجعلها ساحة أرهابية لتصفية الحسابات لكل وحوش الارض وجبابرتها من شتى البقاع والاحزاب والجنسيات حتى لم نعد نعرف او نميز عدوا، فالجميع يرفع راية الجهاد والجميع على المحجة البيضاء والجميع يحارب الارهاب الا شعب العراق يموت ويمزق ويهتك عرضه بلا صوت ولا حتى قبر.
ويبدو أنهم لازالوا يخلّصون الشعب العراقي من شبح صدام الذي لازال يرعبهم ويهدد أمنهم، وان رحلة البحث عن أسحلة الدمار الشامل لم تنتهي بعد .. وماأدراك ما أسلحة العراق!!!!.
ونظرآ للنجاح الساحق الذي حققه الفلم الاخير والارباح الخيالية التي أتخمت الجيوب وفاقت تصور الاذهان، تقرر توسيع العرض في سوريا الشقيقة لمدة مفتوحة حتى أشعار آخر ولنفس الاسباب السابقة اعلاه.
ونبشر أهل مصر الاعزاء بأن هناك أمكانية جيدة لعرض الفلم في دور مصر السينمائية الشهيرة بالاخص وأنها الاولى في صناعة وانتاج الافلام العربية.
والحبل جرار كما يقول المثل.
مشاهدة ممتعة لمحبي الاكشن والاثارة والافلام المرعبة في عرض سينمائي مذهل، لاتنسوا التزود بكميات كافية من الفشار والكولا نظرآ لطول مدة العرض.
أما أصحاب القلوب الرقيقة والاحاسيس المرهفة وممن لايحتملون المناظر المروعة والمشاهدة المختلّة، فعليهم أحكام أغلاق جميع حواسهم البصرية والسمعية والحسية لضمان سلامة حالتهم العقلية والامنية.
ولا يسوء أحد الظن، فالمخلصين والاحرار لن يسكتوا وسوف يصرخ الجميع بنشاز ويثأرون بملايين التغريدات والتصريحات والادانات والاستنكارات والدعوات الحارة للضحايا والمنكوبين على جميع صفحات الانترنت الاجتماعية وقنوات الاعلام الفضائية والغير فضائية.
على العموم لم يعد فِلمآ مثيرآ نظرآ لتكرار القصة، لكن لااحد يشكك ببراعة أمريكا وأمكانياتها القيادية في كل شيء، لابد أن يكون في الفلم بعض المفاجآت الشيقة والمشاهد الخيالية التي ستنال أعجاب ورضا المتفرجين.
يبقى فِلم واحد.
فِلم لن تستطيع أمريكا ولا أمبراطورية قبلها ولا بعدها أن تنتج مثله او تتفوق على عظمته، فِلم مرهق بطوله، غريب وجديد بأحداثه، مثير للغاية بمشاهده التصويرية وأخراجه، فِلم يبتكر لاول مرة في تاريخ البشرية.
لااعرف ما يكون تصنيفه مرعب ، دراما، روائي، رومانسي، مناسب لكل الاعمار ولن يفوت أحد أطلاقآ، فالكائنات بمختلف أممها وشعوبها وألوانها ستحضر بنفس الوقت ونفس المكان لمشاهدته، لانه الفلم الوحيد الذي سيعرض لمرة واحدة فقط، والفلم الوحيد الذي سيجعل جميع المشاهدين أبطالا وشخصيات حية، والفلم الوحيد الذي تكلفته باهظة للغاية، والفلم الوحيد الذي سيقرر مصير الكائنات بعد الانتهاء من مشاهدته.
أسمه اليوم الاخير.