قبل ان اكون والقيود تلفني في رحم امي، انتظر في تلك الظلمات اللحظة التي اتحرر لاكون.
صرخت بكيت .. لاادري فرحآ بأنعتاقي ام خوفآ من المجهول!
اول سجن دخلت فيه كان اسمي .. لاخروج منه ولا عفو .. البسه ويتلبسني لاخر المشوار.
الوجوه تتكرر والاماكن والروائح حتى الشمس والهواء لاتتغير .. انه قدري الذي سيحويني.
بيتي، اهلي، المجتمع، وكل شيء حولي يشكلني .. الا انا.
دوري ان اطيع لاكبر ..
لم يعجبني الدور لفترة طويلة فبدأت اتعلم كيف اتمرد وابحث عن مطارق تكسر قيودي.
كلما نجحت لاهرب شبرآ وقعت وكسرتني اعوامآ.
تعلمت مهارات كثيرة وكنت اتوق لحريتي وهي تلمع امام عيني كسراب براق كلما بلغته تبخر واختفى.
أمي وابي .. اخواتي .. بيتي .. جيراني .. اقربائي .. مدرستي .. ووطني .. لم اختر اي منها.
حتى ملامحي واطباعي ..هدوئي وجنوني .. وجدتني فيها قبل ان اتعرف اليها واعرف نفسي.
اخترت صديقاتي .. نعم كنت دومآ انا من يقرر ولااقبل من لايناسبني .. ومنها تعلمت ان الاختيار ليس انتصارآ وحرية في جميع الاحوال وانه قد يكلف اكثر مما يستحق في بعض الاحيان!.
بدأت اصطلح مع بعض القيود كجزء مني فلا احاول التملص.
وتبقى الحرية هاجسي .. ان اكون في قالب لاتلمسه غير اصابعي.
مااشقاني وانا اتصارع مع الطبيعة والعادات والسنن وقوى هائلة لاقوة لي بها وانا هشة كندفة ثلج ما ان تلمسها حتى تذوب وتختفي.
دراستي الطويلة كانت تلتف حول رقبتي كحبل متين لافكاك منه .. تمنعني ان اسرح في عالمي وتملي علي بواجبات لم تدخل مزاجي .. تؤرقني بامتحانات ومواد لاادري ان كانت تسمم عقلي ام تبنيه .. لازلت اشك!!
كدت افقد اخر نفس مع اخر امتحان لولا حماسي لانعتق واطير في سماء حريتي.
أخرج من دائرة فأدخل اخرى اكبر ثم اكبر واكبر.
ايام الدراسة ..
سنوات عجاف اعدها يوم بيوم لتنقشع وترحل .. بحرها وبردها .. خيرها وشرها .. افراحها واتراحها .. قصصها واحداثها.
حصل ..
ولكن ليس على طريقتي ..
هكذا تهزا الحياة من الاقوياء والغافلين.
رفعتني فوق السحاب ثم اطلقتني بلا انذار.
سقطت في يوم لاريح فيه ولا غيوم ولا بشر.
ادخلتني سجون ومتاهات .. لا مفاتيح فيها ولاحراس .. ولاباب.
ادور في حلقات مفرغة جوفاء .. ابحث عن مخرج وان كنت قد استسلمت لقدري.
في تلك الدوائر تعلمت ما فشلت كل المدارس والجامعات ان تعطيني اياه ..
مضت اعوام بنظريات عقيمة واساطير بالية وخرافات اكل عليها الدهر وشرب ..
درست علوم الدنيا وادابها .. لغاتها واحكامها .. ونسوا ان يعلموني كيف استعمل هذه الادوات!!
كرهت الحياة وكرهتي ولزمن طويل لم نكن سوى اعداء.
خفتت حدّتي .. بدأت اتنازل واقترب ..
اعدت النظر وصرت افكر انها لم تكن تكرهني .. اظن انها ارادت أن تخرجني من شرنقتي لانطلق في حقول حقيقية مع الاشواك والاخطار.
أرادت ان تعلمني ان اكون انا بالقالب الذي تمنيت فكان لابد من دورات تدريب قاسية لاحصل على وسام الحياة وشهادة النصر.
هناك التقيت بها ورأيتها .. مضيئة شفافة كبلورة كرستال.
حريتي ..
اطلقت سراح عبوديتي وحطمت السلاسل التي كانت تغشي بصيرتي ما أن أقتربت منها.
رأيت سماءآ ونوارس بيضاء وأنوار.
لست ادري انقطة تحول هي ام لحظة ميلاد ..
سحر قلب فؤادي واعاد هيكلة تكويني ..
اقتلعت كل الافكار الضارة التي كانت تسمم قلبي وتتغذى على جهلي.
بقيت شهادة ميلادي بتاريخها القديم مع بقية اشيائي التي لم تعد تلزمني.
وكسبت ميلادآ حقيقيآ يستحق الذكر والاحتفال.
وياهول ما وجدت من مفاجآت وتفاصيل غابت عني سنين بعدد ايام حياتي .. كانت قريبة جدا مني وبعيدة جدآ عن ناظري.
يقول تولستوي: إننا نبحث عن السعادة غالباً وهي قريبة منا كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عيوننا.
بدأت اللوحة تتشكل وتكتمل بعد ان اصبح للعالم منطق افهم لغته واتفاعل مع جوهره.
لازلت اتعثر واقع قبل ان أنهض واقوم مرة ثانية.
ولازلت ابحث وادرس واتعلم .. الكثير.
انتظر اللحظة الحاسمة التي ستحدد مصيري.
لاادري بأي حال سأكون.
بعد كل الحروب التي عرفتها .. اشعر بأنها عبث وزيف في ساحة الحياة.
لامجال للخسران.
لازلت اجتهد في تشييد حصوني وكلما اقتربت وظننت انني احكمت اغلاقها وسددت منافذها وصرت في أمان بداخلها ..
تباغتني الحياة بدرس جديد وحلة لااعرفها لكي تعيد تأهيلي في دورة جديدة لتحديث قدراتي وكفائتي.
أتأمل العصافير واشعر احيانآ بأن قلعتي هشة مثل أعشاشها ولكن يبهرني تفائلها وغنائها المستمر رغم العواصف والاخطار وهي تتقافز بفرح وعزيمة لتبدأ من جديد حياة جديدة وعش جديد.
مازال امامي بعض الاشواط .. قصيرة طويلة .. لاادري
ولازلت اتمرن لاخوض اشد واخر معاركي ..
فأما ولادة ابدية ..
او هاوية سحيقة.