شهدت فترة الخمسينات والستينات أعظم حركة مقاومة ضد جميع أشكال الاستبداد والتفرقة العنصرية في الولايات والمتحدة. وكان من أبرز شخصياتها مناضلين تجمع بينهما الكثير من المقومات والصفات، أبتداءآ من القضية، المقاومة الحرة، التقارب في العمر، الكاريزما الخطابية، ألتفاف الجماهير بحرارة، والنهاية التراجدية حيث أغتيل كل منهما في فترة متقاربة، مالكوم في عام 1965 ولوثر عام 1968.
الا أن لكل واحد منها فلسفة مختلفة تمامآ في المقاومة من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية.
لقد كان لوثر أكثر حظآ من قرينة مالكوم فقد عاش بأستقرار نسبي في عائلة من الطبقة الوسطى أستطاعت أن تؤمن له حياة كريمة بالرغم من التفرقة العنصرية التي كانت سائدة، أكمل تعليمه الجامعي من كلية مورهاوس بولاية جورجيا حيث مكان نشأته، ثم شغف بفن الخطابة وأحتل المراتب الاولى في مسابقات البلاغة السياسية فأستكمل دراسته اللاهوتية وحصل على بكالويوس في علم اللاهوت، وفي عام 1955 ناقش رسالته في الفلسفة بجامعة بوسطن ونال درجة الكتوراه.
في حين عاش مالكوم الظلم والفقر والضياع منذ أولى سنين حياته عندما قتل والده وتم توزيع أخوته الى عوائل متعددة بأضطهاد من المؤسسات الحكومية التي لم تجد في أمه القدرة على تحمل مسؤولية العائلة، ترك مالكوم المدرسة بعد ان كان الاول في صفوفها في سن السادسة عشر، عانى التشرد والقهر والجوع وكل انواع الرذيلة كغيره من الزنوج حتى أنتهى به المطاف الى السجن وهناك رجع الى الكتب وتعرف على الاسلام من خلال جماعة أمة الاسلام التي كانت سائدة في امريكا في تلك الحقبة.
تأثر لوثر كثيرآ بغاندي في مقاومته السلمية ضد الاحتلال الانكليزي وبذلك تمحور نضاله في نشر فلسفة عدم العنف وإظهار فنونها العملية مستمدآ خطاباته من التقاليد الدينية للزنوج التي تلجأ الى أسلوب الخطابة الرنان ذي الكلمات المتكررة، فكان يحرص في أحاديثه على أربعة أمور: عدم العنف، التغيير الاجتماعي، المسؤولية الفردية والجماعية، وثمن الحرية.
في حين كانت خطابات مالكوم أكثر حرارة وأندفاعآ والتي كانت تترجم غضب الجماهير السود وحنقها، فأعتنق فلسفة أمة الاسلام في البداية المتمثلة في أن الاسود هو لون الخير والابيض هو لون الشيطان، وقد آمن مالكوم بهذا المنطق في بداية مراحل أسلامه ولكنه أكتشف لاحقآ خطئه بعد رحلته الى مكة وأنها بعيدة كل البعد عن روح الاسلام، وتساءل كيف يكون مسلمآ ولا يعرف كيف يصلي!.
أدرك بأنه ليس هناك شيطان أبيض وملاك أسود، فكلاهما بشر ما يميزهم هو علمهم فحسب.
وعندها بدأت المرحلة الثانية والأهم من حياة مالكوم فصار يدعو الى التغيير السلمي ولكن أن وجدت أي أعاقة فيجب مقاومتها والاشتباك معها ومنعها.
في حين كانت دعوة مارتن لوثر الى المقاومة السلمية والدعوة بما يشبه العصيان المدني من دون أي أحتكاك والتضحية بالنفس من قبل السود أذا ما تم الاعتداء عليهم.
هنا نلاحظ أن كلا الدعوتين قد تأثرت بالدين تأثيرآ كبيرآ، ففي منهج مالكوم التي تعكس روح الاسلام وتتبع مقولته ” إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأقطع له يده حتى لا يضرب بها غيرك” في حين أتبع لوثر المنهج المسيحي القائل “إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر”.
مقولتان تعرضان وجهتا نظر لحل نفس المشكلة، الأولى تطرح المقاومة لمواجهة العدو والرد عليه حتى لا يستمر في إيذاء الناس فعل كحل للأزمة العنصرية، والثانية تطرح عدم المقاومة ومحبة العدو مهما فعل كحل لنفس الأزمة، كان مالكولم أكس هنا يطبق رؤية الإسلام الشاملة المطابقة لكل زمان ومكان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي تدعو الى المقاومة الإيجابية وليس المقاومة السلبية.
ومن مقولاته الهامة جدا التي توضح أنه لا يدعو لتدمير المنظومة الاجتماعية وتحطيم القوانين تلك التي يقول فيها “كن مسالماً ومهذباً، أطع القانون وأحترم الجميع وإذا ما قام أحدٌ بلمسك أرسله إلى المقبرة”.
لقد أدركت ال سي آي أيه أن هذا الرجل صار خطرآ ويعبر عن مليار مسلم وليس زنوج أمريكا ولقد أعاد الارتباط الطبيعي لمسلمي أمريكا بباقي العالم الإسلامي وهذا ما لم يعجب المخابرات الأمريكية بالاخص ما يمكن أن يمثله من ضغوط على السياسة الأمريكية بسبب تأييدها للكيان الصهيوني لهذا يبدو أنها منحت الضوء الأخضر للخلاص منه وهو ما تم على يد جماعة أمة الإسلام.
وبعده بسنوات لحق به مارتن لوثر كينج على يد العنصريين البيض.
طريقان ونهاية واحدة.
قد يكون مارتن لوثر كينج حظي بشهرة أكبر حيث الإعلام يدار بيد الساسة، وقد تم منحه جازئزة نوبل للسلام عام 1964، ولكن أعتقد أن مالكولم أكس هو رمز حقيقي للمناضل المسلم لأن الحديث عن عنصرية الإنسان لأخيه الإنسان هي جريمة فادحة تستحق الثورة والمقاومة وليس هناك أفضل من يقاومها ممن أعتنقوا هذا الدين الحنيف.
دين الإسلام.