ولد جورج فريدريك هيجل عام 1770 في نفس العام الذي ولد فيه الموسيقار الألماني بيتهوفن، في مدينة أشتوتكارت في ألمانيا من جذور نمساوية بروستانتية، وكانت امه شديدة الذكاء محبة للعلم على عكس نساء عصرها.
عاش في مجتمع أقطاعي تسوده رجعية النبلاء وعاصر رياح الثورة الفرنسية وتأثر بها كثيرآ.
تأثرت فلسفته العقلية بالفيلسوف “كانت” والشاعر الرومانسي هلدرلين الذي كان زميله في السكن الجامعي .. درس الفلسفة واللاهوت ثم اصبح أستاذآ في جامعة إيينا.
قرأ الاداب الكلاسيكية وأغرم بها وعُرف أسلوبه بالتعقيد مع أنه كان لايجيد الخطابة والكلام، بلغ الذروة في التجريد ولكنه لم ينفصل عن الواقع.
كان الأول في جميع مراحل دراسته وترجم الكثير من الكتب اليونانية في سن السادسة عشر، وفي الثانية عشر درس “الاخلاق” لارسطو، بعد دخوله الجامعة كان “روسو” مثله الاعلى خصوصآ كتابه “العقد الاجتماعي”، وعلى حد تعبيره: أن قراءتي لروسو تحررني من الاصفاد.
تخرج من المعهد الديني ولكنه لم يعمل قسيسآ، قام بالتدريس وكان يحصل على أجر بسيط من الطلبة الذين يحضرون محاضراته وظل يكافح لسنوات عديدة للحصول على لقمة العيش وأستكمال نظريته الفلسفية، ثم حصل على وظيفة أكاديمية كمدرس فلسفة في جامعة جينا ثم أصبح مديرآ لجامعة برلين.
عاصر احداث هائلة كانت تمر بها أوربا وأمريكا، وفي عام 1793 الذي أعدم فيه لويس السادس عشر نشر كتابه “أسهامات في الثورة الفرنسية“.
أكمل كتابه “ظاهريات الروح” تحت ظروف صعبة للغاية عندما سقطت مدينة جينا في يد نابليون بونابرت وأقتحام الجنود منزله.
أما المدراس الفلسفية التي أشتهرت في وقته فكانت الفلسفة العقلانية الفرنسية لديكارت والفلسفة التجريبية الانكليزية لهوم والفلسفة الالمانية لكانت.
واضخم مؤلفاته علم المنطق حيث بلغت الفلسفة الالمانية ذروتها في مذهب هيجل ، فهو أول من نظر الى الطبيعة والتاريخ والروح وربط بين نشوئها وحركتها وتطورها وقام بمحاولة للكشف عن العلاقة الداخلية لهذه الحركة والتطور.
لقد تطور الفكر الغربي وظهرت به الحركات السياسية والفلسفية والثقافية والفكرية العظيمة بينما كان الشرق ولايزال يغط في سبات عميق مكبلا بالفكر المتطرف والتخلف الشديد الذي يحارب العقل والعلم والثقافة والفلسفة والفنون والآداب مما أصبح يهدد للأسف وجودنا ووجود الدين الإسلامي نفسه.
الوصول الى الحقيقة العليا التي لايستطيع العقل أدراكها الا بالنظر داخل أغوار النفس .. فالحقيقة ليست في العالم الخارجي الذي يعتمد على الحواس وانما هي في داخل النفس حيث يمكن معرفة الله ومعرفة الحقيقة ومعرفة سبب وجود الإنسان على هذه الأرض.
لم تنجح العلوم الحديثة في كشف كل خبايا النفس البشرية ولازال العالم يكتنفه الكثير من الغموض.
التخاطب عن بعد .. الأحلام التي تتحقق بالضبط .. النبوءات التي تصدق .. التجارب الخاصة التي يمر بها بعض الأفراد .. قراءة الأفكار بدون كلام .. الوقوع في الحب .. وموضوع الروح والحياة الأخرى والله والملائكة والشياطين.
إرادة الفرد تبحث عن الكمال.
تحاول الوصول إليه عن طريق التجربة الخاصة والتجربة الروحية أو عن طريق أحداث التاريخ وحركة الثقافة والفكر.
بالنسبة لفلاسفة عصر التنوير، الله هو المهندس المصمم لهذا العالم كآلة ميكانيكية ولكن بالنسبة للحركة الفكرية الرومانسية، الله هو روح هذا العالم لا يوجد خارجه ولكن يوجد في كل مكان.
كل الأمور لها وجه مقابل أو وجه آخر وأي تجربة يمر بها الرومانسي لها وجهان ولو كانت كل الأمور لها وجه واحد لأصبحت جامدة صلبة قاسية ويصبح الإنسان أسير أفكاره.
هذه مشكلة الفكر المتعصب لا يعترف برأي الآخر فيصبح أسير أفكاره .. الرومانسية تحارب أحادية التفكير حتي لا يصبح الفرد عبدا لما يعتقد.
لقد تأثر هيجل بالحركة الفكرية الرومانسية الالمانية، بالرغم من هجومه عليها في بعض الأحيان.
لقد كان يبحث عن فلسفة غير مقيدة بحدود تشمل كل تجارب الإنسان وخبراته وتدمج كل المعارف من علوم وتاريخ ودين وسياسة وفن وأدب وموسيقى وشعر وتجمع هذه الخبرات في نظام فلسفي واحد وتضعها كلها في نظرية منطقية واحدة بدون تعارض وذلك عن طريق مفهوم العقل المطلق أو الروح.
جمع هيجل كل هذه الخبرات، بما فيها من تناقض وتوتر وتشاحن وتمازج وتجديد وتدمير وإبداع. في سياق وحدة عقلانية شاملة عن طريق نظريته في “الجدلية”. لكن هذه الفلسفة الشاملة التي تبغي فهم الحقيقة هي فلسفة ميتافيزيقية!!.
تتلخص نظرية هيجل الجديدة عن الحقيقة بأنه جمع ثقافة الإنسان وكل علومه وتجاربه الروحية المترامية من فنون وآداب ودين وسياسة وتاريخ، بالإضافة إلى تجاربه الشخصية، في نظرية واحدة.
هذه النظرية، توحد كل المعرفة في عقل مطلق أو روح سرمدية أو الله بمثابة الحقيقة العليا.
ويمكن تخليصها كما يلي :
1- ترابط الأشياء فلا يمكن قبول أي حدث بمعزل عن الأحداث الأخرى.
2- رفض النهج الميتافيزيقي الذي ينظر إلى الأشياء بعزلها عن بعضها البعض.
3- ليس هناك من شيء دائم فكل شيء في مرحلة انتقال وفي تطور دائم .
4- التناقض هو جوهر جميع الظواهر والاشياء وهذا النضال هو منبع كل نمو.
5- عبر الحركة والصراع الموجودتان في كل شيء يولد الجديد من خلال وصول التراكمات الكمية هذا يعني أن لاشئ ثابت أبداً في الطبيعة أو المجتمع وإن وعينا لاستمرار الحركة يعزز تفاؤلنا بالمستقبل فعوامل اليأس مؤقته وجبروت وتسلط الاحتلال لايمكن له أن يستمر طالما أستمر الصراع وكذلك الأمر بالنسبة لانظمة الاستبداد والتسلط إن استمرار وجودها مرهون بضعف العوامل الذاتية ومشاركتها في عملية الحركة والصراع.
6- عملية النمو وخلق الجديد أو دلالته يحمل معه عناصر كثيرة من القديم ولكن مدفوعة أو مطوره إلى الأمام.
أستناداً إلى جدليته حول أستمرار الحركة والصراع والتناقض ونفي النفي فأن في هذه العملية الصراعية تكمن الآمال العظيمة للشعوب المقهورة.
وكلنا نعي أوضاعنا الأكثر من مهترئه الشديدة التخلف لدرجة لو أن هيجــل عاش عصرنا لكان له رأي آخر أكثر تزمتاً أو لقال: بأننــا كعرب وجدنا في مرحلة النزع الأخير لتطور “الــروح المطلق” وعلى أي حال لن نظل غارقين في بئر التخلف إلى الأبــد..!
إن الفن والدين والفلسفة ، هي الأشكال العليا لوعي “الــروح”.
فالحل الذي قدمه هيجل قام على التوفيق والتنسيق بين المصالح الفردية والمصالح الاجتماعية في مجتمع يتحقق فيه العقل والحرية معاً كحل مقبول.
في رأيه بهذه المناسبة أن الثورة الفرنسية حطمت نفسها لأن الإنسان الفرد لم يضع نفسه عن طواعية تحت سلطان دولة تحقق له حريته الخاصة وحرية المجموع.
إنه يرى في الحــب جوهر الحياة الإنسانية وهدفها ويرى فيه القوة المحركة للتقدم الاجتماعي والأخلاقي خاصة.
هذا التفاؤل الأخلاقي يصطدم لا محالة بوقائع التاريخ والحياة اليومية!.
وصف هيجل الحياة فى ألمانيا بقوله : “إنها حياة متحركة للأموات ” فماذا نقول فى وصف حياة شعوبنا العربية فى زماننا هذا بعد هيجل بمائتى عام!!!.
نعم .. إن حياة شعوبنا فى الوقت الراهن هى أكثر سوءا من وصف هيجل ولكن عزاءنا يتمثل فى قوة وقدرة هذة الشعوب على تغير أوضاعها عند توفر الوضع الذاتى المناسب أو البديل الديمقراطى العربى أذ ليس هناك بديل أخر.
مات هيجل بمرض الكوليرا عام 1831 وكان موته مظاهرة كبرى دلت على مكانته الرفيعة في ذلك العهد، أما كتبه عن الجماليات وفلسفة الدين وفلسفة التاريخ فلم تنشر إلا بعد موته.
ترك هيجل ما يربو على عشرين مجلدا نشرت بالألمانية عدة مرات وترجم معظمها إلى عدة لغات من بينها العربية.