في الذكرى الاولى لميلاد مدونتي أردت ان أهديها وأياكم هذه الكلمات.

شغف قديم وأرق مستديم ..

طالما وجدت نفسي مدفوعة في التمتمة على الورق ..

لست ثرثارة بطبعي ومتحفظة جدآ ولاأحب البوح وكثرة الكلام ..

وهي تجريد وجرأة ومواجهة مع النفس قبل الاخرين.

أنا احب الصمت وهي تثير ماحولها صخبآ وأنفعالا وبهرجة ..

أنا احب السكينة والانعزال وهي تأبى الا الظهور والاعلان.

بالرغم من ولعي في الكتابة والتدوين وهو امر أعتدته منذ فترة مبكرة من عمري الا أن ذلك لم يكن السبب في فكرة المدونة، فالكتابة أمر شخصي للغاية ومتعب ولابد أن تحمل في ثناياها بصمة المؤلف وكثير من افكاره وثقافته ومبادئه الحياتية.

أنها مسؤولية غاية في الخطورة لما للكلمة من أثر ومفعول عميق في حياة الناس .. بالكلمة تتحرك الجيوش وتشتعل الحروب وتتغير الاحداث ويتحدد المصير وترتقي أمم وتهبط اخرى.

ولما كان للكلمة هذه المكانة المرموقة من النفس والدرجة الخطيرة من العقل والفكر فأني أردت لكلماتي أن تكون متنفسآ وراحة من أحداث الحياة وملجئآ آمنآ من قسوة العالم وطغيان الظلم والفساد وواحة للتأمل والاسترخاء بعيدآ عن الطقوس الجامدة والروتين المميت واملاءات الاخرين.

دعوت مرة لأمسية كانت لشاعر أمريكي وكان عنوانها العلاج بالشعر، أعتقدت انه ضرب من ضروب الشعوذة والدجل بالاخص أني لست من هواة الشعر والقصائد ولكن شاءت الاقدار أن ألبي الدعوة لأمر آخر فجلست أستمع لما يقول الشاعر من قصص ومواقف وكلمات عميقة، لم يكن شعرآ بالمعنى الدقيق بقدر ماكان نثرآ وتعبيرآ شفافآ لصدى الروح.

أما العلاج فقد كان في تفاعل الحضور الذي أدهشني، والبوح بشكل تلقائي وصادق ومبدع بالرغم من التواجد لأول مرة من دون معرفة سابقة مما جعلني أستشعر بعظمة الكلمة وتأثيرها على النفوس وقدرتها الحقيقية على العلاج والشفاء بالنطق والتحرر من الكتمان والفائض من الكلام كما كان عنوان الامسية!!

ثم تأملت أحوالنا ونحن “العرب” أهل الشعر والفصاحة والكلام، قد عجزنا عن أستعمال هذه الادوات والموهبة الربانية للتفاعل مع بعضنا والولوج في أغوار النفس وخلق أناس مبدعين قادرين على التعبير والتواصل كما أراد لنا الخالق ولاجله منحنا العقل واللسان والكلمة.

فأبينا الا ان ننغلق في مجتمعاتنا وبيوتنا وعقولنا وألسنتنا.

البوح عندنا خطيئة ..
والكلام ميت ..
والاذن صماء ..

لاأحد يأبه لأحد ولو كان ذي قربى وأعز الناس، وأن فكر ببعض الاهتمام فلن يكون سوى أمر مادي ومؤقت فلايخطر على بال أحد أن بعض من كلمات صادقة قد تحيي القلوب وتشفي النفوس وتبعث الأمل وتثير البهجة وتحيل الانسان الى طاقة فعالة ومعجزة بناءة.

لازلت أذكر كلماتٍ لأبي وقد تحولت الى مفتاح خاص يفتح كل الابواب في كل زمان ومكان.

كنت دومآ أتقن فن التلقي والأستماع ثم الأسترسال في حديث أنا نفسي أعجب من أين أتيت به ولو طلب مني أحد أعادته لما أهتديت لكلمة واحدة!!.

أنشغلت بأمور وأنشطة كثيرة وبالرغم من أيماني وأستمتاعي بها ولكني كنت أهرب بطريقة ما من التدوين.

أكملت العديد من البرامج الفنية والعلمية ودروس التطوير الذاتي، وكنت دومآ أنخرط في الندوات والاعمال الخيرية والتطوعيه، وأشارك في المناسبات والمهرجانات والفعاليات بمختلف القطاعات والمؤسسات المجتمعية.

ولكن في فترة ما ليست بالبعيدة أصبح جلّ تركيزي في الدراسة والبحث في أمور مصيرية لم أتعرف عليها في بيتي او مجتمعي، أستمرت لاكثر من سنتين، قراءة مكثفة في الكتب والمجلدات والابحاث وأي قصاصة كان تطولها يدي وتقع عليها عيني، كان هدفي واضحآ وكنت أدون بأستمرار بحوثي ودراستي .. وبها رجعت الى الكتابة والتدوين

رجعت بعدها الى المطالعة وقراءة الكتب باللغة الأنكليزية، حيث لم تكن الكتب العربية متاحة حولي في بلاد الغربة، ولم أجد في ذلك حرج مادامت مادتها سليمة ومفيدة وممتعة.

ثم شاءت الاقدار ان أرجع الى البلاد العربية، فكانت نقطة تحول في مشواري الأدبي، وقعت رواية “الامال صارت آلامآ” بيدي باللغة العربية لأول مرة بعد سنين طوال حسبت خلالها بأني فقدت الاهتمام بقراءة الكتب العربية ولم اجرؤ على المحاولة في الكتابة الا مرات معدودة!.

ألتهمت الكتاب بأيام قليلة ولكن كلماته ظلت تدور في رأسي لأيام طويلة.

لم أستطع بعدها أن اقرأ بغير العربية.

لو أستطاع الغرب أن يستشعروا ضخامة ورقة وقوة المفردات العربية لعذروني في هجر كتبهم.

لغة حية ذات مشاعر وأنغام وعنفوان لايشعر به الا من عرف أسرارها وتعمق في مفرداتها.

لم يكن من اليسير أقتناء الكتب العربية بالرغم من معارض الكتب التي تقام دوريآ، بالاضافة الى بعض المحلات التي تختص ببيع الكتب، لكن تبقى المكتبة الوطنية في مدينة أبو ظبي من أجمل التدابير الالهية وأعظم مصدر لما لانهاية من الكتب العالمية والعربية والعلمية.

كانت الكتب تساق الي بالاكوام وبلا سؤال متى ما طلبتها.

ثم تمنيت ان أجد ناديآ للقراءة الجماعية لرفع شأن الكتاب في العالم العربي وأعطاءه الاهمية والمكانة التي شغلها في جميع الدول الاوربية.

لم أجد ..

لكني وجدت شيئآ لايقل روعة عن طريق البحث.

صارت الاحداث و”الصدف” تتوالى لتحدد مسار قدري الجديد.

هكذا بدأت بالأنضمام الى موقع الكودريدرز والذي بدا لي أضخم من المكتبة الوطنية نفسها. مئات والاف المشتركين من كل العالم يبحثون عن الكتب ولهم نفس الهاجس والاهتمام.

أصابتني عدوى الفيروس وانشأت رفوف مكتبتي الالكترونية في بضعة أيام.

وكان له الفضل الكبير في التعرف على عدد ضخم من الكتب التي لم اقرأها او أخطط لقرائتها وقد حالفني الحظ في الحصول على أغلبها من المكتبة الوطنية او شرائها من معارض الكتب.

هكذا بدأ مارثون القراءة وصار الطابور طويلا وأصبح الكتاب جزءآ مألوفآ من ملامحي.

بعد مرور أكثر من سنه بين الكتب والمكتبة وبالتحديد بعد أحتفالات رأس السنة لعام 2012، كانت البداية التي رجعت فيها الى القلم عندما كتبت عن تلك الليلة.

كنت على وشك ان أختص بها أصدقائي فقط عندما خطرت لي فكرة أنشاء المدونة وأستخدام مهارتي الوظيفية في أدارة المواقع الالكترونية بعمل خاص لكتاباتي.

في السادس من يناير لعام 2012 نشرت مقالي الأول بعنوان ليلة رأس السنة

فكانت الولادة ..

مدونة متواضعة قد تبدو عادية ولكني حرصت على أن أملئها بمشاعر خاصة وكتابات عميقة تبحث عمن يقرأ بقلب واحساس.

على مدونتي أكتب عن الانسان وللانسان ولاشيء يشغلني غير الوصول الى أعماق جديدة لم يكتشفها الانسان في نفسه او على الاقل أجلب أنتباهه لها.

بدأت بنشر مقالاتي التي كانت تولد بشكل تلقائي وغير متسارع، ثم قررت أن أضع مراجعات الكتب التي كنت أنتهي من قرائتها بطريقة تختلف عن المراجعات العادية، غالبآ ماأسقط الكتاب على الواقع وأربطه بأحداث حقيقية لتشكل لوحة تشبه الفسيفساء ذات أشكال وألوان مختلفة ومشوقة، تستثير العقل وتهدف الى أيصال رسالة خاصة مع أمنية قلبية بنقل عدوى حب القراءة والرجوع الى المطالعة وأحتضان الكتاب بغاية الارتقاء بالمستوى الفكري وزيادة الوعي الثقافي وكل ما يعين على بناء الانسان.

لم أعد أخاف القلم .. لاني ببساطة لا أكتب بقلم.

وبهذه الحرية أنطلقت في عالم الكتابة بشكل بسيط وعميق ولغاية معينة.

كنت أغبط “ياني” عندما أستمع لمقطوعاته، وعندما حضرت أحدى حفلاته الموسيقية لم تبهرني الموسيقى بقدر ما أبهرني أحساسه العميق بها والطاقة التي جعلته لايشعر وسط تلك الحشود الا بعزفه وألحانه والتفاعل معها وكأنها كائن حي.

تحقق حلمي ومن موقعي المتواضع ومكانتي البسيطة صرت أستشعر ذلك العزف .. ولكن بكلماتي.

لازالت مدونتي تكبر كل يوم وبشكل معتدل ولكنها تحلق وتحقق نجاحآ طيبآ بأي زائر تصيبه سهام كلماتي فيقرر المكوث والأسترسال في القراءة ولو لدقائق ليستراح من صخب الحياة ويبحر في عالم الحب والسلام.

كل عام وأنتي بألف خير ياأجمل كتاب وأغلى رفيق.