هل جربت اليوغا يومآ؟
متأكدة بأنك على الاقل قرأت عنها، او رأيت بعض ممارساتها على اليوتيوب او في فلم، او سمعت عنها في أطراف حديث ما، او قد تكون من روادها او على الاقل مارستها يومآ ما.
أيآ كان، فأني في هذه المدونة أريد أن أخذك معي برحلة يوغا من نوع خاص وعلى طريقتي.
اليوغا هندية الاصل، روحانية الطابع، معناها الحرفي “التوحيد”، ويقال أنها مشتقة من جذر الرقم واحد باللغة الكردية “يه ك”.
أتحاد روح الانسان بالروح الكونية.
عشقي لليوغا ينبع من كونها رياضة سيكلوجية تتحدى قابليات الجسد والذهن لتشكل نوع مبتكر من أنواع الصلاة الروحانية في رحلة بحث عميقة للوصول الى أعمق نقطة في روح الانسان من خلال تمارين شاقة تتدرج خطوة خطوة حسب قابلية الفرد في محاولة للوصول الى مرحلة الكمال التي تتمثل في كفاءة عالية من التركيز والتأمل والتحكم بالافكار وتحرير النفس من أوهام المادة، وذلك من خلال تمارين التحكم بالتنفس وممارسات اخرى مثل الفنون الجميلة والفنون القتالية وصولا الى الاسترخاء التام بالسماح للعقل والنفس والعضلات والمفاصل وكل أعضاء الجسم بأستقبال وأحتضان طاقة هائلة من الحب والتسامح والسلام، تخلل كل مسامات الجسم بطريقة سوية ومتساوية تسري في الروح كما تسري قطرات المغذي في الدم.
هناك أنواع عديدة لليوغا منها على سبيل المثال لا الحصر:
Hatha, Iyengar, Astanga, Viniyoga, Bikearm
لكل منها نمط معين من التنفس والقوة والليونة والادراك والتأمل.
أضيف لها اليوغا الفكرية Intellectual Yoga
أذا كان هذا فهمي المتواضع لليوغا، فأن القراءة والكتب والكتابة ليست الا يوغا محضة بطريقة فكرية لها نفس المقومات وتؤدي الى نفس الغرض.
كتب تشعر بأنك مؤلفها وكلمات لن تخطأها أن أستخدمت بوصلتك الفطرية ومشاعرك الانسانية، ستسري في دمك من أول لحظة تطأ عينيك حروفها.
غالبآ من يتمكن من الخوض فيها يكون قد تذوق أعظم لذة يمكن لانسان أن يعرفها، تفوق الرغبات والشهوات الانسانية، لايبلغها الا من أستطاع أن يقترب من مصدر الحب الكوني ونبع الالهام الاول.
في تلك الكلمات تتجلى الروح بأروع صورها وأنقى أشكالها بعد أن تتجرد من ماديتها التي تعيقها من التحليق في سماء السكون كنجمة ساطعة تفيض حبآ وشوقآ وحنينآ وجمال.
لايوجد قانون او وسيلة او معتقد للوصول والحصول على هذا النبع الالهي الا التأمل والحب الخالص والتجرد الدنيوي واللجوء الى أعماق الروح.
عندما يتمكن الانسان من خلع أقنعة الاوهام والظنون والسيطرة على الرغبات الدنيوية والشجع وترك الانانية والكبر والجهل، فأنه لن يرى أشعة الصباح كما يراها الاخرين، ولن تكون سمائه كسماء الاخرين، وستتفجر في داخله مشاعر فياضة من حب ونقاء لايمكن تفسيرها ويصعب بشدة التعبير عنها.
حب يجعل الكون كله ينبض في أعماق القلب بسرعة شديدة وقوة تكاد تخلعه من جنبات الصدر.
حب يفوق كلمات الحب ومشاعر الحب وقصص الحب وكل معاني الحب التي خلقها الانسان من أول يوم عرف الحب لآخر يوم سوف يتغنى بها في الحب.
من أهم قواعد اليوغا أن يطيع التلميذ معلمه الى أقصى حد، او أن يترك اليوغا او أن يجد معلمآ آخر، وعلى مر السنين كان معظم المعلمين الذين تتلمذت في صفوفهم كنديين تتلمذوا على يد معلمين هنود بشهادة منهم، مؤخرآ حصلت على معلمة من أصل هندي وحقيقة أدركت الفرق مهما كان المعلم الاجنبي متقنآ وبارعآ.
لنفس السبب أردت أن تختبروا معي اليوغا الفكرية برفقة معلم من أصل هندي في همسات روحانية أستطاع أن يعبر فيها ما عجز قلمي عنه.
للمعلم برمهنسا يوغانندا
لقد أوقدتْ أنفاسُ الصباح الجبارة شعلة في قلبي
فأحسستُ بشوق ما بعده شوق
واختلجَ في صدري إيمانٌ لا يقف عند حد
وشعرتُ بفرح لا يضارعه ابتهاج
وبأمل يفوق الرغبات بزوغاً وتحليقاً.
وتذوقتُ طعمَ حبٍ يتغلغل إلى صميم أعماقي
فاشتعلتْ نيرانُ الوجد والتهبَ الحنينُ في غابة روحي.
لقد امتلأتْ حياتي وغمرَ الإلهامُ قلبي
فتلاشتْ الرؤى الواحدة بعد الأخرى
وذابتْ كل الأصوات في بحر السكون.
أما شكوكي فأضحتْ أقلَّ ثباتاً من الظِلال،
ومخاوفي أوهى من نسيج الأحلام،
وهموم العيش ولـّت كما تتلاشى الفقاعات الصغيرة.
وألغاز الحياة ومولدات القلق التي تبعث في النفس الحيرة الإرتباك
كلها تبخرت واندثرت.
صحيح أنني لم أتمكن من تحليلها أو حلها
لكنها صارت في خبر كان على أية حال.
لقد أصبحتْ شيئاً من الماضي
إذ بدّدت النسائم شملها فذهبت ولن تعود.
وبانت معاني الحياة بكل جلاء
واضحة كانبلاج الفجر.
ها هو سرّ الطبيعة يتجلى في شمس الصباح المشرقة
في السكينة الناطقة،
في الورود الغضة،
في فرح الحياة المتعاظم
في قلبي الخفاق
أشعر بما يعصى على النطق
وأعرف ما يفوق حدود التخمين.
أما غيوم الصباح المعرّقة بألوان الورد
وقمم الجبال التي طبعت على جبينها أشعة الشمس قبلات دافئة
والنهر الوحيد في انسيابه
وأصوات السواقي البعيدة
والضباب الذي يرتفع من المروج الخضراء
إذ تخترقه أشعة الشمس المطلة من الأفق الشرقي
كلها تمتزج وتذوب أمام عينيّ ثم تتوارى عن الأنظار
فتلتصق اليابسة بالمياه إذ تتحد الأرض بالسماء
وتفقد الأجزاء فرديتها
لتصبح الطبيعة كلاً لا يتجزأ
فتكتمل الحياة
وتنقضي أيام الإنتظار.
إنني أتنفس نفحات الصباح
وأشعر بوحدتي مع روح العالم.
لم أعد أحيا حياتي الفردية
بل حياة كل ما هو حيٌ في الوجود.
إنني أكثر من ذات صغيرة
لأنني امتزجتُ في الذات الكلية.
لقد عثرتُ على منابت ومنابع كياني في حمرة الأفق الشرقي
لقد عثرتُ على شعلتي القدسية في أنفاس الصباح العاطرة.
وإن فقدتُ ذاتي لفصلٍ قصير
لكنني أجدها ثانية وقد تجددت وانتعشت في حياة الجميع.
لا أنظر إلى الأمام ولا أتطلع للخلف،
فهوّة الزمن السحيقة هي لا شيء بالنسبة لي.
فأنا أذرع الأفقَ من قطبٍ إلى آخر
متنقلاً بسرعة الفكر.
أضم العالم بأسره إلى صدري
وأحس بنبضه.. بحركته.. بسكونه..
متردداً مع كل دقة من دقات قلبي.
أحس بشيء يدغدغ مشاعري فأتساءل:
أهو سكون الوجود أم نبضه؟
أهو البرق الخاطف أم السلام الذي يبعثه في النفوس ضياءُ البدر؟
أيجوز أن أكون أكثر حرية من أمواج الأثير؟!
هذا ما لا أعرفه، إنما في أعماق روحي..
في داخلي.. من حولي.. ومن فوقي
أحس بنهر عرضه عرض العالم يتدفق من كياني..
إنه نهر الحياة والمحبة.
ويا له من نهر صامت.. ساجٍ.. أبدي.. نقي.. كامل.. لا انتهاء له.
قد لا أستطيع قياس منعرجاته أو تتبع انعطافاته،
لكنني أدرك أن هدفه ثابت وأنه منطلق نحو غايته المباركة.
في نقاء ذلك النهر تحيا كل العواطف
وفي صمته تصدح كل الأنغام…
وأحس أنني محمولٌ على صدره
مثلما أشعر أنني واحد مع مصدره ومصبّه..
بدءاً من منابع الخليقة
وانتهاءً بمحيط الحب الكوني.