غواية الماء by سامح كعوش
My rating: 4 of 5 stars
نص روائي غير عادي .. كل شيء فيها غير عادي .. اسمها .. قصائدها .. لغتها .. محتواها .. رومانسيتها .. نهايتها .. وحتى الموت فيها غير عادي.
معرفتي الشخصية للشاعر والناقد الادبي ومؤلف الرواية سامح كعوش تجعل لها خصوصية اضافية.
تحكي مأساة طائرة كوتونو (طائرة البوينغ اللبنانية التي تحطمت بعيد إقلاعها بثوانٍ من مطار كوتونو في غرب إفريقيا سنة 2003 وقُتل في تلك الحادثة 111 شخصاً)
توصف بابداع وطاقة خارقة واحساس مرهف حكاية رجل مغترب .. في وطنه وقلبه الذي ضاع لزمن طويل وهو يبحث عن نفسه التي وجدها فيها بعد غربة طويلة.
قال فيها الروائي الاماراتي علي ابو الريش بأنها رواية السقوط في دلتا الثالوث المهيب: الحب، الموت، الغربة.
شاعرية جدآ ولااعيب فيها الا بعض النصوص الجريئة واقتحام الممنوع .. فأنا من اشد المناصرين لثقافة ادبية لاتخدش الحياء ولاتتعرض للخاص ولاتجتاز الخطوط الحمراء مما يجعلها اكثر رقيآ وقربآ للنفس.
الحب أطهر وأسمى وأنقى من غرائز البشر وغواية الانسان وجرأته على الله ونفسه وسنن الحياة.
اليكم بعض النصوص لتستمتعوا بروعة لغتها وعمق معانيها:
” أيها الوقت العظيم، يا سيد الأشياء وصانعَ المعجزاتِ، لماذا تتركني للغد ولا تمسكُ بيدي الآن أنا المحتاجُ إليكَ ؟. لماذا تسرق مني مليون ابتسامةٍ وتزرعُ في عينيّ دمعةً لا تجفّ؟ يا سارق الابتساماتِ ويا زارعَ النقمةِ بين المحبين، أيها الوقت اقتلني، كي انتقمَ منّي، وربما كي أمحوَ من ذاكرتها المليون “أحبكِ” التي قلتها لها”.
“أذكرُ أيها الوقتُ، يا خانقي في الوحدةِ والقابض على قلبي في اللقاء، أذكرُ أنني أحببتها كما لو لمْ أعرفْ قبلها الحب، هي القديرةُ فيه كإلهةٍ من عوالم الأساطير اليونانية القديمة، المتعاليةُ في عرش سماواتهِ الخفيةِ على الخلقِ، البسطاء الساذجين في الحياةِ والحب مثلي”.
ثم يقول وهو يخاطب الموت:
” أردتُ أن أكتب لكِ رسالة، أن أخطّ فيها اعترافاتٍ أخيرةً، ولا أدري لماذا، لكنني ظننتُ أنني قد لا أراكِ ثانيةً، لذا شرعتُ في الكتابة، وقد تعتبرين الأمر خيانة للوعد الذي قطعتهُ على نفسي بأن ألقاكِ قريباً، وأن أعود لأجل عينيكِ لأكون معكِ ولكِ، أجل، أنا معكِ حتى لو غبتُ أو متُّ”.
و تصيرُ فكرةُ الموتِ هي الأقرب لأنه المعتاد ألا يرى فرحتهُ مكتملةً يوماً.
هذا الموت كفكرةٍ ظلت تراودهُ طويلاً، يخاطبهُ بحرارة العاشق ووجدانية المقترب حدّ التوحد، يقول في نفسه: “أيها الموت العظيم، أرني جمالكَ في عمري، جرّبني”.
وهذا النص اجملها واقربها:
“والرعب كله في الشعور الرهيب بالخوف، الخوف بمعنى الفقد، أن نفقد ما عرفناهُ واعتدناهُ وصار أليفاً حميماً، أن نستيقظَ فجأةً على واقع أننا مبتورو الذاكرة والأطراف معاً”.
لقد استثرت العقل والوجدان وجميع الاحاسيس الانسانية في غواية الماء لدرجة كتمان النفس حتى النهاية .. النهاية التي ابيت الا ان تجعلنا واياها نغرق بماء الحزن ونسبح في اللاحدود عند مدرج الاقلاع.