هناك مارد صغير يعبث في رأسي، يقطع عليّ خلواتي واهم اوقاتي، لايعنيه وقت ولا انشغال ولامكان ولا اجتماع ولا حتى صلاة.
يكاد يكون قرينآ لكل أنسان، فقد استطاع ان يحتل المراتب الاولى لابرز سمات العصر واكثرها شهرة .. الا قليل ممن حظي بعدم مرافقته والنجاة من عبثه.
أنها أفكارنا وحواراتنا الداخلية التي تقتحم رؤوسنا بشكل عارض وعشوائي، كالجراد تتقافز في الذهن بدون ضوابط ولا قيود اذا غفلنا واطلقنا لها العنان بدون تريث وانتباه.
لااقصد الافكار التي نحتاجها لانجاز عمل او وظيفة معينه ولكن ذلك التشويش الداخلي الشبه متواصل عندما يكون الانسان في منتصف أمر آخر لايمت بأي صلة لهذه المقاطعة!!.
لقطات من ماضي بعيد، حديث عابر، مقطع من فلم، عمل مؤجل، مشكلة عائلية، ومئات الافكار التي تتوالد وتتكاثر بشكل مستطرد كل دقيقة.
بعضها قد يكون قاتمآ لدرجة تشل الانسان وتقعده مربوط في مكانه وهو في أتم عافيته لايشكو الا اوهامآ ذهنيه ووساوس فكرية تركيبتها العجز والخوف والفشل وكل النواقص التي تتهمنا به من دون صحة ولا دليل.
في كلتا الحالتين ان كانت الافكار سوداء ام بيضاء فأنها تمتص طاقة الانسان وتحوله الى مخلوق كسول، كئيب، قليل الحيوية والنشاط.
وفي غمرة هذه الفوضى الفكرية ينصرف الانسان عن تفاصيل وحقائق واقعية تحتاج الى انتباهه وتدور حوله ولكنه يغفل وجودها بسبب ارتباكه الذهني.
ابسط الامثله التي قد تحدث يوميآ، عندما تقرر الذهاب الى مكان محدد من اجل شيء معين فأذا بهذا الشيء يتبخر قبل الوصول الى المكان تاركآ اياك في حيرة وقلق!
او ان تقف امام الثلاجة دقائق تحاول استذكار حاجتك!.
فما بالك ان كنت تقود سيارة او تمسك مشرطآ في صالة العمليات او اي امر يحتاج الى الانتباه والتركيز.
يعتقد البعض ان الاستمرار بالتفكير وأعادة صقل نفس المواضيع في صندوق الرأس سيمكنه من السيطرة على زمام الامور والخروج بنتيجة وحل.
وهذا عين الخطأ لان هذه الافكار لن تعمل الا على اثناء القدرة والطاقه الفعلية على اتمام مهام حقيقية علينا انجازها.
وان كان بعض ما يشغلنا حقيقآ ومهمآ فيمكن التخلص من التفكير بها بتدوينها على الورق والرجوع اليها لاحقآ.
بالطبع يحتاج هذا الامر الى تمرين وتدريب وصبر وكسر حاجز الروتين .. نعم ان الروتين قد يكون سببآ أساسيآ في هذه الازمة.
فأن كنت تعودت على السياقة ببال مشغول وذهن غائب الى مكان اعتدت الذهاب اليه، فالافضل ان تغير طريقك وتختار مكانآ آخر يساعدك على كسر الروتين وشد الانتباه مما سيؤثر حتمآ على حيويتك ونشاطك وأدائك في العمل.
وان فشلت في بعض المرات فلا تستسلم واستمر بالمحاولة بأصرار وأرادة واعية.
في إحدى الدراسات، قام متطوعون بقراءة مقتطفات من كتاب “الحرب والسلام” للأديب الروسي ليو تولستوي في مختبره، لتسجيل اللحظات التي تشرد خلالها أذهانهم ثم طلب منهم تدوين ما يجول بخاطرهم خلال هذه اللحظات. وفي النهاية، تم اختبار مدى استيعابهم للنص الذي قرأوه. وكشفت هذه الإجراءات عن أن هؤلاء الأشخاص كانت تشرد أذهانهم بعيداً عن الكلمات لأكثر من 20 % من وقت القراءة، و عادة ما يحدث ذلك دون إدراك.
حذاري ان تقسو على نفسك مهما تأخرت بالتقدم بل استمر على الايحاء الى نفسك بأنك قوي وقادر على تحقيق الهدف.
واعلم ان اكتساب هذه المهارة تعود عليك بأعظم الفوائد، يقول أحد علماء النفس المشهورين : ليست العبقرية أكثر من تركيز الذهن.
وقال آخر : إن حصر الاهتمام هو أول مقومات العبقرية.
يقال أن المؤسسة القومية للعلوم الأمريكية أجرت دراسة لمعرفة عدد الأفكار التي تخطر على بالنا يومياً، أفكار عن أي شيء، وبينت أن الفرد العادي يفكر 12 ألف إلى 50 ألف فكرة في اليوم وان اكثر من 98 % من هذه الافكار هي نفسها التي فكرنا فيها بالامس!!
مما يعني ان معظم أفكارنا هي أعادة تحليل وتفكير لشيء مستهلك.
فلنتوقف قليلا ونراقب افكارنا ونعمل جاهدين لايقاف اي حوار دخيل والتركيز على فعل آني فحسب.