ليست رغبات عابرة ولا أفكار ملهمة، بل هي عادات فكرية يومية تشكل كيان الانسان ومسار حياته.
البعض يتكلم عن نمط حياة، والبعض الاخر يسميها أطباع شخصية، أو قد يقول أحدهم أنها أخلاق فردية، وقد تكون حالة نفسية.
أيآ كان المسمى فهي في حقيقتها تُعبر عن حقيقة واحدة تنبع من مصدر واحد أساسه العادات الانسانية في التفكير والتعامل مع تلك الافكار وتكرارها مئات المرات بشكل يومي يفوق التصور لدرجة تصبح فيها هذه الافكار تلقائية وجبرية بلا تفكير ولا أي مقدرة للسيطرة على ماهيتها وكميتها وبالتالي طريقة التفاعل معها.
تلك العادات الفكرية غالبآ ما تحدد كيان الانسان وملامح شخصيته وأسلوب عيشه وبالتالي فهي مسؤولة بشكل مباشر ومؤثر على سعادته وراحة باله، بغض النظر عن الظروف المحيطة والمؤثرات الخارجية، المهم هو طريقة التفاعل مع تلك الظروف بفكر حاضر وطرد الافكار العشوائية واللاأرادية التي تستنزف الطاقة وتشتت العقل وبالتالي تجعله كئيبآ حزينآ بلا سبب محدد او معقول.
ولهذه الافكار خواص مغناطيسية بالغة القوة في أجتذاب صنوف من البشر والاشياء وحتى الظروف على حسب نوعية تلك الافكار وطريقة التعامل والاستسلام لها.
أكتشفت الدراسات والبحوث بأن هذه الافكار قابلة للتغيير والتأثير بشكل مباشر وفعال على مختلف أنظمة الجسم العضوية أبتداءآ من الهرومونات والاعصاب وحتى ال دي أن أيه.
تصل عدد أفكار الانسان الى 60000 فكرة في اليوم الواحد، بمعنى أن هناك فكرة في كل ثانية خلال ساعات يقظته، 95% من هذه الافكار مكررة ومعادة بشكل يومي وروتنيني كأسطوانة تسجيل.
المحزن في تلك الداراسات، أن 80% من هذه الافكار سلبية وغير صحية، أي أن 45000 من الافكار اليومية هي أفكار غريبة وغير مرغوب بها لاتولد سوى الاحباط والشعور بالجزع.
المفرح في هذه الحقائق، بأن أغلب هذه الافكار خاطئة ومضللة ويجب لفظها وعدم التصديق بها.
نحن لا نصدق كل مانسمع، ولا نصدق كل ما نقرأ، ولا نصدق كل ما نرى، وعليه يجب التحكم بأفكارنا بنفس الطريقة ولا نصدق بأي فكرة تطرأ في عقولنا.
لست ألّمح بهذا الحديث بأصطناع الافكار الايجابية و الاقرار ببساطة بترك الافكار السلبية وأعتناق الافكار المشرقة، كمن يضع أبتسامة كاذبة على وجه حزين او يزين كعكة محروقة بكريمة ملونة.
في الحالتين فأن التصنع لن يغير من حقيقة المحتوى الداخلي.
ما أريد أن أصل اليه هو التغيير عن طريق التحكم المستمر والجاد بنوعية الافكار وطريقة الاستجابة لها حتى تصبح عادة، وأضع عشر خطوط حمراء تحت كلمة عادة.
فأذا ما تحولت ردود الافعال الفكرية الى عادات مبرمجة وأفكارآ صحيحة، عندها يحدث أنقلاب ثوري داخل منظومة الرأس والتي بدوها ستنسف جميع المؤثرات الخارجية، وتُغير طريقة التعامل معها بدرجة 180 درجة، ليس بسبب حصول معجزة كونية او تغيير جذري، فالسنن ثابتة والحياة بتحدياتها وصعابها لاتتغير، لكن طريقة التفكير ومن ثم التعامل مع هذه المحتويات والظروف هي التي تحدد أسلوب حياة الانسان ونمط عيشه.
والحقيقة أنه يمكن تقليص مفعول تلك الافكار وأبطال تأثيرها بوضعها تحت المراقبة الشديدة وتصفيتها بشكل دقيق وانتقائي حتى تصبح عادة مكتسبة لاتستوجب الجهد والتركيز المتواصل.
يقال أن أقوى جيش يمكن أن تواجهه في حياتك هو جيش الأفكار التي تدور في عقلك فهذا الجيش قادر على تحطيمك أو نصرتك، فكن قائداً لجيش أفكارك ولاتكن تابعاً لها.
عندما تشعر بالمعنى العميق والحقيقي لمصطلح الحرية الفكرية، تصبح عندها سيد نفسك قادرآ على أصدار الاوامر لمشاعرك واعيآ لافكارك ومتحكمآ لارادتك وأن كانت ضد رغباتك وضغوط الحياة المعاكسة.
الحرية أذن هي القوة على ضبط النفس والسيادة النفسية بلا منازع.
وفيها تتشكل عظمة الانسان وتتميز قدرته عن بقية المخلوقات والكائنات.
لذلك كان التوافق مع الارادة الالهية سر نجاح وبلوغ قمة تلك الحرية وجعلها الاساس الذي تبنى على قاعدته جميع العادات الفكرية والنفسية والوجدانية.
في مدونتي القادمة سوف أكتب بالتفصيل عن العادات التي قررت تعديلها وأعادة صياغتها وتثبيتها بشكل جذري لايقبل التهاون او التراجع، من خلال السيطرة على أفكاري وطريقة التعامل معها بشكل يومي حتى صارت نمطآ حياتيآ لن أفرط فيه ولن أتوقف عن الاضافة له وتحسينه بأي فرصة متاحة او تكنيك جديد.