خلق سامي لايقدر عليه الا من كان يملك علمآ وأدبآ وذوقآ سليمآ وفكرآ سديدا.
ليس من السهل الاعتذار سواء كان الشخص المتضرر قريبآ ام بعيدآ. البعض يدرك خطأه لكنه لايجد الشجاعه على الاعتذار، والبعض الاخر يخاف أن يُرفض أعتذاره، اما أسوأهم فذلك الذي لايستطيع أن يبصر خطئه ولايقدر حتى على الاعتراف به.
أن الانسان محكوم بالخطأ طوال مسيرة حياته، وليس هذا عيبآ ولا نقصآ فهو أمر ألهي لادخل له فيه، ولكنه ينقلب الى عمل شيطاني اذا ما تم تبريره. والهروب منه يولد الحقد والكره في القلوب فتطل برأسها مرة أخرى في أي لحظة يستثار فيها الانسان وتستفز مشاعره.
لايكفي تناسي الموضوع ومحاولة تجاوز الخطأ بالعودة الى الحياة الطبيعية والتظاهر كأن شيئآ لم يكن، يريد أن يدفن رأسه بالرمال هربآ من المواجهة، فأن ذلك لن يغنيه من الاعتذار أنما يزيدها سوءآ وتعقيدآ، يجب تحمل المسؤولية والارتقاء بالنفس الى مراتب التواضع والاحسان وتقديم العذر في الوقت المناسب.
وكما يقول المثل الاعتراف بالذنب فضيلة فأن اختلاق العذر رذيله واختلاق العذر ليس مثل تقديمه، فالاولى هدفها الكذب والاصطناع اما الثانيه فهي رغبة صادقه في الاحتفاظ بالشخص دون ان يتنازل عن شيء من كرامته.
كم من بيت أنهارت أعمدته، وعوائل تفكك أهلها، وصداقات أنتهت صلاحيتها، بسبب التكبر والتعالي! لذا كان الاصرار على الخطأ مطبآ عميقآ لايقع فيه الا ذوي النفوس الضعيفة والعقول المحدودة.
وليست هذه دعوة لتكرار الخطأ وتقديم الاعتذار، فأن اعتذر انسان مرة فهذا يعني انه يريدك، أما اذا كرر خطأه وأعذاره فهذا يعني انه لايهتم بك، وكما تقول الحكمة: “كثرة الاعذار تشبه المسامير التي تبني بناء الفشل”.
وأعلى مراتب الاعتذار بأن يعتذر الكبير للصغير، والغني للفقير، والاستاذ للطالب، والمدير للموظف فأنها لاتدل ألا على قوة وثقة جديرة بالاحترام، وقبولها مكسب أكيد، ليس لانها مؤثرة فحسب أنما كونها تربية عميقة ودرسآ بليغآ في مدرسة الحياة.
فكيف أن كان الاعتذار على مستوى أمم ودول عظمى مثل المانيا التي أستطاعت ان تنهض بعد خسارتها ورحيل امبراطوريتها عندما قدمت أعتذارآ عالميآ الى اليهود بسبب المحرقة التي كانت سببآ لخزيها وأنتكاستها كشعب يدعي الحرية وينتهج الديمقراطية بغض النظر عن الطرف الاخر وماهيته، المهم الاعتراف بالخطآ وتصحيحه ليس لاجل المجني عليه فحسب، أنما للمعتدي أيضآ لكي يصحح مساره ويثبت مصداقيته.
أن النفس البشرية غاية في التعقيد، وفي الوقت نفسه فأنها أرقى وأسمى المخلوقات الكونيه لسببين الاول هو تكريمها بالعقل الذي تستطيع به أن تميز الاشياء وتتحكم فيها، والثاني هي قدرتها على التواصل مع غيرها من الكائنات. ومن أخطر الامور التي يمكن لأنسان ان يقع فيها هو أن يترك فريسة لأوهامه وظنونه التي تحفر برأسه وتحطم نفسيته.
يظن بعض الناس أن الوقت أفضل دواء لنسيان الخطأ، قد يكون صحيحآ اذا كان الامر عابرآ ويمكن تلافيه بكلمه او لمسة حانية.
أما اذا كان فادحآ والجرح بالغآ، فأن تركها لن يبرأها ابدآ وسيعرضها للكثير من التلوث والتقيحات التي قد تؤدي الى
نتائج غير متوقعه قد تصل الى حد البتر والقطيعه إن لم يتدارك الموضوع وتفتّح جسور الكلام وتقّدم المبررات الصادقة والاعتذارات الحقيقية خوفآ من الضياع والانهيار.
ولن يجد المخطيء الا القبول والتقدير مهما كان فداحة الخطأ وعمقه.
فلِما لا يتعلم الناس فن الاعتذار؟ ِلِما لايتواضعون ويقدمون الاعتذار قبل فوات الاوان؟
الاعتذار لون من ألوان السحر لايجيده الا الاخيار، له مفعول عجيب في مسح كل أثر لأي ألم أومعاناة إن كان صادقآ وحقيقيآ.