مقيدين بسلاسل غليطة وأصفاد الجمود، نعلف ونركض وندور في سجن لا جدران له ولا سجّان منذ أول صيحة حتى آخر نبض.
ناضل الاشراف والاحرار ورفعوا شعار الحرية والاستقلال وتلقوا وابل الرصاص بصدور عارية بأباء وعزيمة فولاذية وقد نالوا مكافئتهم بعد أن عرفوا لذة الحرية وأن تمزقت أجسادهم وصارت أشلاءآ في النهاية.
أنه الايمان عندما يملأ القلب ويحيل الانسان الى كوكب دريّ لايمكن أطفاءه ولا حتى بأفتك الاسلحة، هؤلاء تحالفوا مع الموت وتوطدت علاقتهم به فلم يعد يخيفهم بل صاروا مستعدين لمقابلته في شوق وحرارة.
يتقدمون بأجسادهم الطرية كقوة خارقة يستمدونها من الايمان بقضيتهم.
فما هي قضيتنا؟
ما لها تموت في أحشائنا قبل أن تولد!.
أليس الشرف والوطن أعظم من العدالة والمساواة التي ناضلت من أجلها الشعوب، ثورات الفلاحين في ألمانيا، كوارث الارلنديين، وبطولات العمال الروس والفرنسيين.
فما لنا نمشي في الارض سكارى وما نحن بسكارى!.
قضيتنا هائلة، لكننا مجردين من أدنى سلاح لندافع عنها.
اليأس يلفنا ويقعدنا ويجعلنا سكارى وما نحن بسكارى.
لكننا مفلسين فكريآ وأخلاقيآ ولا نستطيع حمل حجارة، فأصغر حجارة هي أثقل من قوانا الخائرة وأجسادنا المنهكة.
نثور وندين ونصرخ ونخرج بالملايين فتبتلعنا السحب القاتمة ونعود نجر وراءنا أذيال الخيبة والهزيمة.
أرواحنا مشلولة ومستعبدة.
نتفرج على مقطع مؤلم في فديو فيكتسح الشحوب والوجوم وجوهنا لثواني معدودة، فأن نجحت اللقطة بأثارة مشاعرنا أرسلناها الى الاخرين ليكملوا الفرجة، وبعضهم يستلذ بها.
هذا هو سلاحنا.
أن نتفرج على بعضنا بصمت وخوف وحقد كبير.
تجرعنا الويل وكل أنواع التنكيل لاكثر من ثلاثين سنة تحت سلطة نظام بربري لا يدين الا بالوحشية كقانون للحياة.
أسكتتنا ساديته وجنوده الذين كان يشتريهم من بيننا ليكونوا جواسيس وجلادين علينا.
كان هذا النظام يحارب شعبه والانسانية تحت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية وكان زبانيته رفاقآ في درب النضال ضد الشعب.
كان يجب أن يُعاقب ويُقتاد الى الساحة العامة بيد الشعب وحده، أنه القصاص الوحيد الذي يجب أن ينزل بالظالمين عندما ينهض الشعب، وأيضآ كان سيُهرق الكثير من الدماء ولكنها كانت ستغسل الام الناس وتشفي عذاباتهم.
هرب نفر الى بلاد أجنبية بعد تأمين حساباتهم البنكية، وعندما أنتهت تلك البلاد من أعدادهم أرسلتهم الى أوطانهم لكي يحرروها بالخيانة وتعزيز مصالح أسيادهم مقابل ثمن بخس رخيص، بعض كراسي وهمية ووعود ضاعت بها من قبل فلسطين والكرامة العربية.
قد يسئ الابن الى أمه فيهجرها او يعاملها بجفاء وقسوة ولكنه لايخونها.
لن يجرؤ أمرء على هذه الفعل العظيم الا أثنين لا ثالث لهما اما مريض او شيطان خالص.
مهما كان الابن عاقآ فأن الخيانة هي الخط الاحمر الذي لا يجتازه المرء حتى وإن بلغ أدنى مستويات الخسة والجبن.
كل من تسولّ له نفسه بأصلاح وطنه او أمته بقوة أجنبية فهو خائن.
عار على الرجولة والتاريخ أن تطأ قدم الغريب الوطن وأبنائها لايقفون عاجزين فحسب وإنما مهلهلين وفاتحين لهذا الغريب بيوتهم وبلادهم وشرفهم.
هؤلاء توصم على جباههم كلمة خائن الى يوم الدين، تكسو وجوههم ظلمة كالحة وتكشر أنيابهم عن نفس خبيثة لاتمت بصلة الى الكائن البشري.
لقد فاق حجم قضيتنا الزمان والمكان وشربنا كأس الآلام حتى الثمالة فأسكرتنا وما نحن بسكارى.
كل شيء مؤلم لايطاق عندما ندرك شيء من الحقيقة.
في زمن بعيد بعيد، بدأت القضية وبذل في سبيلها الاجداد كل غال ونفيس من أجل غاية واحدة أن يعيش الاحفاد بشرف وكرامة أنسانية.
كبر الاولاد فما كان منهم الا أن يحسدوا آبائهم على الزمن الذي وهبهم قسطآ من الخير غاب كليآ في زمانهم وبقي الامل في أن يجد أولادهم تلك الاحلام الضائعة في الحرية والكرامة الانسانية.
الا أن الابناء هذه المرة وجدوا أنفسهم في بلاد نائية لايعرفون شيئآ عن المكان الذي جاء منه آبائهم وغير قادرين على التواصل معهم بنفس اللسان مما يبعث في النفس مزيجآ من الاسف والمرارة الشديدين.
حياتنا أشبه بليل طويل مظلم.
لن تتحرر بلادنا الا بالدم الذي ينزل كالمطر الوابل ليطهر الارض ويعيد اليها خصوبتها وقوتها.
وكأن أنهار الدم التي سالت لم تكن كافية.
علمونا في المدرسة كم برميل تنتج بلادنا من الذهب الاسود ولكنهم لم يعلمونا كم برميل من الدم تحتاج لكي ترتوي وتكفي جيل واحد على الاقل ليعيش بفخر وكرامة أنسانية.
أختتم بمقولة فيكتور هيجو عن الثورة الفرنسية في روايته الخالدة البؤساء عن الثورة.
أن المعنى الثوري معنى أخلاقي، ذلك بأن الإحساس بالحق يولد الإحساس بالواجب، وقانون كل شيء هو الحرية التي تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.